تابع - سورة البقرة
قصة آدم واستخلافه
يرد القصص في القرآن في مواضع ومناسبات . وهذه المناسبات التي يساق القصص من أجلها هي التي تحدد مساق القصة , والحلقة التي تعرض منها , والصورة التي تأتي عليها , والطريقة التي تؤدى بها . تنسيقا للجو الروحي والفكري والفني الذي تعرض فيه . وبذلك تؤدي دورها الموضوعي , وتحقق غايتها النفسية , وتلقي إيقاعها المطلوب .
ويحسب أناس أن هنالك تكرارا في القصص القرآني , لأن القصة الواحدة قد يتكرر عرضها في سور شتى . ولكن النظرة الفاحصة تؤكد أنه ما من قصة , أو حلقة من قصة قد تكررت في صورة واحدة , من ناحية القدر الذي يساق , وطريقة الأداء في السياق . وأنه حيثما تكررت حلقة كان هنالك جديد تؤديه , ينفي حقيقة التكرار .
ويزيغ أناس فيزعمون أن هنالك خلقا للحوادث أو تصرفا فيها , يقصد به إلى مجرد الفن - بمعنى التزويق الذي لا يتقيد بواقع - ولكن الحق الذي يلمسه كل من ينظر في هذا القرآن , وهو مستقيم الفطرة , مفتوح البصيرة , هو أن المناسبة الموضوعية هي التي تحدد القدر الذي يعرض من القصة في كل موضع , كما تحدد طريقة العرض وخصائص الأداء . والقرآن كتاب دعوة , ودستور نظام , ومنهج حياة , لا كتاب رواية ولا تسلية ولا تاريخ . وفي سياق الدعوة يجيء القصص المختار , بالقدر وبالطريقة التي تناسب الجو والسياق , وتحقق الجمال الفني الصادق , الذي لا يعتمد على الخلق والتزويق , ولكن يعتمد على إبداع العرض , وقوة الحق , وجمال الأداء .
وقصص الأنبياء في القرآن يمثل موكب الإيمان في طريقه الممتد الواصل الطويل . ويعرض قصة الدعوة إلى الله واستجابة البشرية لها جيلا بعد جيل ; كما يعرض طبيعة الإيمان في نفوس هذه النخبة المختارة من البشر , وطبيعة تصورهم للعلاقة بينهم وبين ربهم الذي خصهم بهذا الفضل العظيم . . وتتبع هذا الموكب الكريم في طريقه اللاحب يفيض على القلب رضى ونورا وشفافية ; ويشعره بنفاسة هذا العنصر العزيز - عنصر الإيمان - وأصالته في الوجود . كذلك يكشف عن حقيقة التصور الإيماني ويميزه في الحس من سائر التصورات الدخيلة . .
( يتبع )
|