تابع - سورة الأنعام
من أهم محاور السورة:
- المحور السابع: للقد شددت السورة الكريمة على ضرورة معرفة الوظيفة الحقيقية والمسلك المناسب بعد نزل هذا القرآن الكريم { وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، خلافاً لما استمرأه المشركون من تحريمهم لأشياء مما رزقهم الله {وَقَالُواْ هَاذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَآءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ وَقَالُواْ مَا فِى بُطُونِ هَاذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ}، وبعد أن حكت الآيات طرفا من قبائحهم الشركية وجرائمهم في قتل الأولاد خشية الفقر ووأد البنات خوف العار واستباحة المحرمات وتحريم المباحات ذكرت ما امتن الله تعالى به عليهم من الرزق، الذي تصرفوا فيه بغير إذنه تعالى، افتراء منهم عليه واختلاقا {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}، لكن هؤلاء الكفار بما جبلوا عليه من الخصومة واللجاج يسيئون الأفعال ثم يتملصون منها احتجاجا منهم أن المشيئة الإلهية هي التي ساقتهم إلى الشرك وعدم الإيمان {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا}، وهذا أيضا من جملة كذبهم وبهتانهم وافترائهم على الله تعالى.
-المحور الثامن: لما ذكر تعالى ما حرمه الكفار افتراء عليه، وذكر ما أباحه تعالى لهم من الحبوب والفواكه والحيوان {وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ.....وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا}، ذكر ما حرمه تعالى عليهم حقيقة من الأمور الضارة {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}، مبينا أن التدين الفاسد إنما تحمله غباوة توهم أنه مبني على الغيب، الأمر الذي تذرع به المشركون في الجاهلية {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا}، ، وهو ما يتذرع به كثير من المنحرفين في حاضرنا؛ ولهذا جاء رد القرآن على هذه الفئة مباشرا وصريحا {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ}، وتثبيتا للمنهج وإقامة للحجة وتحصينا من ذلك الشرك وتخليصا من الترهات جاءت الوصايا العشر التي اتفقت عليها الشرائع السماوية كاملة في معقوليتها {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، مهيجة للتدبر والتذكر {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}، قائدة إلى التقوى والاستقامة بعيدا عن الأهواء والبدع والخزعبلات {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، إنه بالتطبيق العملي لهذه الوصايا تكمل سعادة البشرية، ذلك أنها جمعت كل فنون الصلاح وكافة سبل النجاح.
- المحور التاسع: في ختام السورة كان النبز شديدا والوعيد مخيفا لرعاة الفرقة ودعاة اتخاذ الدين أشلاء تفاريق {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}، لتبي أن المؤمن الحق هو ذلك يكون عبدا لله في حياته كلها، وتقدم السورة لذلك نموذجا فريدا تمحض لله تعالى عبادة ونصحاً ودعوة، إنه محمد صلى الله عليه وسلم بمنهجه الناجع وسيرته العطرة وسنته الشافية من كل أمراض الشبهات والشهوات، ذلك المنهج القائم على نقاء العقيدة {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، وإخلاص العبادة {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}، والعمل بعدالة الجزاء {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ}.
( يتبع )
|