تابع – سورة المنافقون
محور مواضيع السورة :
وحديث الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - مع أسيد بن حضير ، وما فيه من تعبئة روحية ضد الفتنة ، واستجاشة للأخذ على يد صاحبها وهو صاحب المكانة في قومه حتى بعد الإسلام! وأخيرا نقف أمام المشهد الرائع الأخير. مشهد الرجل المؤمن عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبي. وهو يأخذ بسيفه مدخل المدينة على أبيه فلا يدعه يدخل. تصديقا لمقاله هو : «ليخرجن الأعز منها الأذل». ليعلم أن رسول اللّه هو الأعز. وأنه هو الأذل. ويظل يقفه حتى يأتي رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - فيأذن له. فيدخلها بإذنه. ويتقرر بالتجربة الواقعة من هو الأعز ومن هو الأذل. في نفس الواقعة. وفي ذات الأوان.
ألا إنها لقمة سامقة تلك التي رفع الإيمان إليها أولئك الرجال. رفعهم إلى هذه القمة ، وهم بعد بشر ، بهم ضعف البشر ، وفيهم عواطف البشر ، وخوالج البشر. وهذا هو أجمل وأصدق ما في هذه العقيدة ، حين يدركها الناس على حقيقتها ، وحين يصبحون هم حقيقتها التي تدب على الأرض في صورة أناسيّ تأكل الطعام وتمشي في الأسواق.
ثم نعيش في ظلال النصوص القرآنية التي تضمنت تلك الأحداث :
«وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول اللّه لووا رؤوسهم ، ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون» ..
فهم يفعلون الفعلة ، ويطلقون القولة. فإذا عرفوا أنها بلغت رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - جبنوا وتخاذلوا وراحوا يقسمون بالأيمان يتخذونها جنة. فإذا قال لهم قائل : تعالوا يستغفر لكم رسول اللّه ، وهم في أمن من مواجهته ، لووا رؤوسهم ترفعا واستكبارا! وهذه وتلك سمتان متلازمتان في النفس المنافقة.
وإن كان هذا التصرف يجيء عادة ممن لهم مركز في قومهم ومقام. ولكنهم هم في ذوات أنفسهم أضعف من المواجهة فهم يستكبرون ويصدون ويلوون رؤوسهم ما داموا في أمان من المواجهة. حتى إذا ووجهوا كان الجبن والتخاذل والأيمان!
( يتبع )
|