تابع – سورة التغابن
محور مواضيع السورة :
واللمسة الثانية في صميم القلب الإنساني ، الذي يقف في خضم الوجود المؤمن المسبح بحمد اللّه. مؤمنا تارة وكافرا تارة. وهو وحده الذي يقف هذا الموقف الفريد.
«هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ» ..
فعن إرادة اللّه وعن قدرته صدر هذا الإنسان وأودع إمكان الاتجاه إلى الكفر وإمكان الاتجاه إلى الإيمان وتميز بهذا الاستعداد المزدوج من بين خلق اللّه ونيطت به أمانة الإيمان بحكم هذا الاستعداد. وهي أمانة ضخمة وتبعة هائلة. ولكن اللّه كرم هذا المخلوق فأودعه القدرة على التمييز والقدرة على الاختيار وأمده بعد ذلك بالميزان الذي يزن به عمله ويقيس به اتجاهه. وهو الدين الذي نزله على رسل منه. فأعانه بهذا كله على حمل هذه الأمانة. ولم يظلمه شيئا.
«وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» ..
فهو رقيب على هذا الإنسان فيما يعمل ، بصير بحقيقة نيته واتجاهه ، فليعمل إذن وليحذر هذا الرقيب البصير ..
وهذا التصور لحقيقة الإنسان وموقفه هو طرف من التصور الإسلامي الواضح المستقيم لموقف الإنسان في هذا الوجود ، واستعداداته وتبعاته أمام خالق الوجود.
واللمسة الثالثة تشير إلى الحق الأصيل الكامن في طبيعة الوجود ، الذي تقوم به السماوات والأرض ، كما تشير إلى صنعة اللّه المبدعة في كيان المخلوق الإنساني. وتقرر رجعة الجميع إليه في نهاية المطاف :
«خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ، وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ، وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ» ..
وصدر هذا النص : «خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ» .. يقر في شعور المؤمن أن الحق أصيل في كيان هذا الكون ، ليس عارضا وليس نافلة فبناء الكون قام على هذا الأساس. والذي يقرر هذه الحقيقة هو اللّه الذي خلق السماوات والأرض ، والذي يعلم على أي أساس قامتا. واستقرار هذه الحقيقة في الحس يمنحه الطمأنينة والثقة في الحق الذي يقوم عليه دينه ، ويقوم عليه الوجود من حوله فهو لا بد ظاهر ، ولا بد باق ، ولا بد مستقر في النهاية بعد زبد الباطل!
( يتبع )
|