تابع – سورة الملك
إن تعبير {من في السماء} نموذج من تعابير أخرى تصف الملكوت الإلهى. فإن الله، وإن كان مستويا على عرشه فعلمه وسمعه وبصره وقيامه على كل نفس وتدبيره لكل أمر وإمساكه لكل ذرة في السموات والأرض، تجعله جل شأنه لا يغيب عن شيء ولا يغيب عنه شيء ولذلك يقول: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم}. ويقول: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا}. ويقول: {وهو معكم أينما كنتم}. إن شهود الله علينا لاشك فيه. ومن التطاول البحث في كنه هذا الشهود، إننا لا نعرف كيف يحول الله اللقيمات التي نطعمها إلى عيون وآذان، فكيف نعرف كنه ذاته وقربه؟ إن الله أقرب إلينا من أنفسنا ولكنا أعجز من أن نبصر!! وحسبنا إذا علمنا ذلك أن نستنصر به ونسترزقه ونعد غيره صفرا كما بين لنا في هذه السورة {أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور}.
وتتحدث السورة في آخرها عن الكافرين الذين يحاولون نقل المعركة إلى الرسول وأتباعه من المؤمنين، فيسائلهم: ما جدوى ذلك عليكم إذا كنتم أغبياء تعمون عن الواقع حتى تصطدموا به؟ هل قصور الآخرين- كما زعمتم- يشفع لكم ويسوغ ضلالكم؟ {قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين}.
وتختم السورة بسؤال إلى عبيد المادة الذين ينكرون ربها المسخر لها {قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين}؟ حكوا أن أحد الملاحدة سمع هذه الآية فقال: تأتينا به الفئوس والمعاول! أي أن تعميق الحفر في البئر سيخرج الماء حتما! وشاء الله أن يغيض ماء عينه فيعمى! فهل قدر أحد على رد بصره؟ نعوذ بالله من الخذلان.
( يتبع )
|