تابع – سورة الحاقة
محور مواضيع السورة :
«فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ. فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ. قُطُوفُها دانِيَةٌ. كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ» ..
وهذا اللون من النعيم ، مع هذا اللون من التكريم في الالتفات إلى أهله بالخطاب وقوله : «كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ» .. فوق أنه اللون الذي تبلغ إليه مدارك المخاطبين بالقرآن في أول العهد بالصلة باللّه ، قبل أن تسمو المشاعر فترى في القرب من اللّه ما هو أعجب من كل متاع .. فوق هذا فإنه يلبي حاجات نفوس كثيرة على مدى الزمان. والنعيم ألوان غير هذا وألوان ..
«وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ» وعرف أنه مؤاخذ بسيئاته ، وأن إلى العذاب مصيره ، فيقف في هذا المعرض الحافل الحاشد ، وقفة المتحسر الكسير الكئيب .. «فَيَقُولُ : يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ! وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ! يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ! ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ! هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ!» ..
وهي وقفة طويلة ، وحسرة مديدة ، ونغمة يائسه ، ولهجة بائسة. والسياق يطيل عرض هذه الوقفة حتى ليخيل إلى السامع أنها لا تنتهي إلى نهاية ، وأن هذا التفجع والتحسر سيمضي بلا غاية! وذلك من عجائب العرض في إطالة بعض المواقف ، وتقصير بعضها ، وفق الإيحاء النفسي الذي يريد أن يتركه في النفوس. وهنا يراد طبع موقف الحسرة وإيحاء الفجيعة من وراء هذا المشهد الحسير. ومن ثم يطول ويطول ، في تنغيم وتفصيل. ويتمنى ذلك البائس أنه لم يأت هذا الموقف ، ولم يؤت كتابه ، ولم يدر ما حسابه كما يتمنى أن لو كانت هذه القارعة هي القاضية ، التي تنهي وجوده أصلا فلا يعود بعدها شيئا .. ثم يتحسر أن لا شيء نافعه مما كان يعتز به أو يجمعه : «ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ» .. «هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ» .. فلا المال أغنى أو نفع. ولا السلطان بقي أو دفع .. والرنة الحزينة الحسيرة المديدة في طرف الفاصلة الساكنة وفي ياء العلة قبلها بعد المد بالألف ، في تحزن وتحسر .. هي جزء من ظلال الموقف الموحية بالحسرة والأسى إيحاء عميقا بليغا
( يتبع )
|