تابع – سورة الحاقة
محور مواضيع السورة :
وهذه اللفتات الكونية كثيرة في القرآن كثرة ملحوظة ، ولا نظير لها فيما تتجه إليه خواطر البشر للتعبير عن مثل المعاني التي يعبر عنها القرآن .. وهذه وحدها كافية لمعرفة مصدر هذا الكتاب .. بغض النظر عن كل دلالة أخرى من صلب الكتاب أو من الملابسات المصاحبة له على السواء.
فالشبهة واهية سطحية. حتى حين كان القرآن لم يكتمل ، ولم تتنزل منه إلا سور وآيات عليها ذلك الطابع الإلهي الخاص ، وفيها ذلك القبس الموحي بمصدرها الفريد.
وكبراء قريش كانوا يراجعون أنفسهم ، ويردون على هذه الشبهة بين الحين والحين. ولكن الغرض يعمي ويصم.
وإذ لم يهتدوا به فسيقولون : هذا إفك قديم. كما يقول القرآن الكريم! وقد حكت كتب السيرة مواقف متعددة لزعماء قريش ، وهم يراجعون هذه الشبهة وينفونها فيما بينهم.
من ذلك ما رواه ابن اسحق عن الوليد بن المغيرة ، وعن النضر بن الحارث ، وعن عتبة بن ربيعة وقد جاء في روايته عن الأول :
«ثم إن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش. وكان ذا سن فيهم وقد حضر الموسم. فقال لهم : يا معشر قريش ، إنه قد حضر هذا الموسم ، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه ، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فأجمعوا فيه رأيا واحدا ، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ، ويرد قولكم بعضه بعضا ، فقالوا : فأنت يا أبا عبد شمس فقل ، وأقم لنا رأيا نقل به. قال : بل أنتم فقولوا أسمع. قالوا : نقول : كاهن. قال : لا واللّه ، ما هو بكاهن ، لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه. قالوا : فنقول : مجنون. قال : ما هو بمجنون ، لقد رأينا الجنون وعرفناه ، فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته. قالوا : فنقول : شاعر. قال : ما هو بشاعر ، لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر. قالوا : فنقول : ساحر. قال : ما هو بساحر لقد رأينا السحار وسحرهم ، فما هو بنفثهم ولا عقدهم .. قالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس؟ قال :
واللّه إن لقوله لحلاوة ، وإن أصله لعذق ، وإن فرعه لجناة وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل ، وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا : هو ساحر جاء بقول هو سحر يفرق بين المرء وأبيه ، وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجه ، وبين المرء وعشيرته. فتفرقوا عنه بذلك ، فجعلوا يجلسون بسبل الناس - حين قدموا الموسم - لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه ، وذكروا لهم أمره ...»
( يتبع )
|