:
يقال كل من يعود للأماكن يفزعه الفراغ ..
الفراغ هنا اثنان
فراغ المكان من الاشخاص الذين ارتبطو به وارتبط بهم
والفراغ الآخر هو الذي نشعر به داخلنا حين نتذكر كل هؤلاء الذين عشنا معهم ولم نعد نراهم ولا حتى نعرف عنهم شيء
فراغ في الوجدان يحتويه الحنين لكل ما مضى
تخيل رائحة معينة في مكان محدد تنبثق من الذاكرة فجأة حين تقف في ذات المكان !!
لا ادري كيف تذكرت أم هيا زوجة العم مرزوق راعي البقالة في حارتنا
وقفت امام الباب وتذكرت رائحة صحن الشعيرية الذي تناولته منها لاوصله لامي
الحقيقة أني شممت الرائحة فعلا وشعرت بها تملأ انفاسي ..!
والعم مرزوق الذي كان "يخاصمنا" في كل مرة نلعب بالكرة
وقتها كنا نشعر بشيء من الكرهـ نحوه ولأننا اطفال كنا ننسى الكراهية اذا صحونا من النوم
الآن اتذكر العم مرزوق رحمه الله ولا أجد بداخلي سوى الحب له والشوق لرؤية وجهه وسماع صوته
ولا اذكره حتى تنهال من اعماق روحي كل مابقي في ذاكرتي من تلك الأيام التي لن تعود
وبالكاد اتجرع غصة في القلب و اتدارك ماء عيني الذي يغلبني اكثر الأحيان
هذه الذكريات لم تزل حية عالقة في الروح تستوطن الذاكرة، وتحمل معها كل شخوص الذين عاشوها
ومن هدايا الأقدار ان تجمعنا الصدف ببعض هؤلاء الإحبة
منصور من اولاد الحارة الظرفاء مشاغب ويحب النكت ويُشخّصها
كبرنا وتفرقنا وانقطعت الأخبار سنوات كثيرة ..
كنت في زيارتي اليومية لأمي
دخلت كالمعتاد وفاجأتني بما لم يخطر لي على بال
خالد اليوم سأل عنك شخص .. هل تدري من ؟
من ؟
و استمر حديث الالغاز مع الغالية
وفي نهاية المطاف قالت : هل تذكر جارنا حسن
اووووه اكيد منصور ...
و انهالت أسئلتي و إجاباتها
إنتظرت موعده في الليل و لم يتأخر .. كانت دهشة و عناق طويل و اصوات تتداخل
يااااه، مين يصدق، واحشني، حبيبي أنت ...
يقول : ترددت في طرق الباب و السؤال .. كان اغلب ظني اني لن اجد احد ابدا
مررت بالحارة وانا مشتاق للأيام الخوالي ولم يدر في خلدي ان احدا من اهل الحارة مازال موجودٌ فيها
لكني تغلبت على ظني وقلت لعل وعسى
ذات رحلة صيفية كنت في احد الاسواق في مدينة أبها
ودخلت سوبر ماركت واثناء تجوالي سمعت صوت "شاكر" الذي اعرفه تماما ككل اصوات الاحبة
لم اتردد و هرولت نحو مصدر الصوت واذا به شاكر بشحمه ولحمه
وتكرر نفس الموقف الذي كان مع منصور
أقل من إسبوعين كان هذان الموقفان اللذيذان بعد إنقطاع دام ستة عشر عاما
صدفة و احدة و دهشة تُسقيك سعادة تملأ كل حيّز الفراغ بداخلك
تنسيك حتى الآمك الجديدة، تعيدك لذكرياتك الـ مازالت عالقة بذاكرتك التي تنشط فجأة
دائماً المدن العتيقة التي تحتفظ بملامحها اجمل مكان للارواح التي تعرف الحنين
جدران المنازل تحدثك بصوت يسمعه قلبك، والأزقة الضيقة تكاد تحتضنك
ورغم البعد و مشاغل الحياة مازلت اتردد على الحارة التي خوت من كل اهلها
و اختفى الكثير من معالمها لكني احفظ تفاصيلها بدقة
ازورها كل فترة وخصوصا عندما أتأزّم فهي دواء الأحزان وراحة القلب
هناك رائحة الأحباب والزمن الجميل أجد نفسي نقيا سعيدا تصغر همومي و يذوب الحزن
مع ان صديقي "ابو آمنة" يقول انها تثير احزانه وقد رافقني مرة ولم يكررها
|