كلمة الإدارة |
الإهداءات | |
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
07-02-2017, 10:54 AM | #451 |
عمدة الحاره
|
تابع – سورة المنافقون
محور مواضيع السورة : ومن ثم يتوجه الخطاب إلى رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - بما قضاه اللّه في شأنهم على كل حال. وبعدم جدوى الاستغفار لهم بعد قضاء اللّه : «سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ. إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ» .. ويحكي طرفا من فسقهم ، الذي استوجب قضاء اللّه فيهم : «هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ : لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا» .. وهي قولة يتجلى فيها خبث الطبع ، ولؤم النحيزة. وهي خطة التجويع التي يبدو أن خصوم الحق والإيمان يتواصون بها على اختلاف الزمان والمكان ، في حرب العقيدة ومناهضة الأديان. ذلك أنهم لخسة مشاعرهم يحسبون لقمة العيش هي كل شيء في الحياة كما هي في حسهم فيحاربون بها المؤمنين. إنها خطة قريش وهي تقاطع بني هاشم في الشعب لينفضوا عن نصرة رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ويسلموه للمشركين! وهي خطة المنافقين كما تحكيها هذه الآية لينفض أصحاب رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - عنه تحت وطأة الضيق والجوع! وهي خطة الشيوعيين في حرمان المتدينين في بلادهم من بطاقات التموين ، ليموتوا جوعا أو يكفروا باللّه ، ويتركوا الصلاة! وهي خطة غيرهم ممن يحاربون الدعوة إلى اللّه وحركة البعث الإسلامي في بلاد الإسلام ، بالحصار والتجويع ومحاولة سد أسباب العمل والارتزاق .. ( يتبع ) |
|
07-02-2017, 10:54 AM | #452 |
عمدة الحاره
|
تابع – سورة المنافقون
محور مواضيع السورة : وهكذا يتوافى على هذه الوسيلة الخسيسة كل خصوم الإيمان ، من قديم الزمان ، إلى هذا الزمان .. ناسين الحقيقة البسيطة التي يذكرهم القرآن بها قبل ختام هذه الآية : «وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ» .. ومن خزائن اللّه في السماوات والأرض يرتزق هؤلاء الذين يحاولون أن يتحكموا في أرزاق المؤمنين ، فليسوا هم الذين يخلقون رزق أنفسهم. فما أغباهم وأقل فقههم وهم يحاولون قطع الرزق عن الآخرين! وهكذا يثبت اللّه المؤمنين ويقوي قلوبهم على مواجهة هذه الخطة اللئيمة والوسيلة الخسيسة ، التي يلجأ أعداء اللّه إليها في حربهم. ويطمئنهم إلى أن خزائن اللّه في السماوات والأرض هي خزائن الأرزاق للجميع. والذي يعطي أعداءه لا ينسى أولياءه. فقد شاءت رحمته ألا يأخذ حتى أعداءه من عباده بالتجويع وقطع الأرزاق. وقد علم أنهم لا يرزقون أنفسهم كثيرا ولا قليلا لو قطع عنهم الأرزاق! وهو أكرم أن يكل عباده - ولو كانوا أعداءه - إلى ما يعجزون عنه البتة. فالتجويع خطة لا يفكر فيها إلا أخس الأخساء وألأم اللؤماء! ثم قولتهم الأخيرة : «يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ» .. وقد رأينا كيف حقق ذلك عبد اللّه بن أبي! وكيف لم يدخلها الأذل إلا بإذن الأعز! «وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ. وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ» .. ( يتبع ) |
|
07-02-2017, 10:54 AM | #453 |
عمدة الحاره
|
تابع – سورة المنافقون
محور مواضيع السورة : ويضم اللّه - سبحانه - رسوله والمؤمنين إلى جانبه ، ويضفي عليهم من عزته ، وهو تكريم هائل لا يكرمه إلا اللّه! وأي تكريم بعد أن يوقف اللّه - سبحانه - رسوله والمؤمنين معه إلى جواره. ويقول : ها نحن أولاء! هذا لواء الأعزاء. وهذا هو الصف العزيز! وصدق اللّه. فجعل العزة صنو الإيمان في القلب المؤمن. العزة المستمدة من عزته تعالى. العزة التي لا تهون ولا تهن ، ولا تنحني ولا تلين. ولا تزايل القلب المؤمن في أحرج اللحظات إلا أن يتضعضع فيه الإيمان. فإذا استقر الإيمان ورسخ فالعزة معه مستقرة راسخة .. «وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ» .. وكيف يعلمون وهم لا يتذوقون هذه العزة ولا يتصلون بمصدرها الأصيل؟ لهؤلاء المؤمنين الذين أوقفهم اللّه في صفه مع رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وجعل عزتهم من عزته يوجه النداء الأخير في السورة ، ليرتفعوا إلى هذا المكان الكريم ، ويبرأوا من كل صفة تشبه صفات المنافقين ، ويختاروا ذلك المقام الأسنى على الأموال والأولاد ، فلا يدعوها تلهيهم عن بلوغ ذلك المقام الوضي ء : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ. وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ. وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ، فَيَقُولَ : رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها ، وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ» .. والأموال والأولاد ملهاة ومشغلة إذا لم يستيقظ القلب ، ويدرك غاية وجوده ، ويشعر أن له هدفا أعلى يليق بالمخلوق الذي نفخ اللّه فيه من روحه ، فأودع روحه الشوق إلى تحقيق بعض صفاته الإلهية في حدود طاقته البشرية. وقد منحه الأموال والأولاد ليقوم بالخلافة في الأرض لا لتلهيه عن ذكر اللّه والاتصال بالمصدر الذي تلقى منه ما هو به إنسان. ومن يغفل عن الاتصال بذلك المصدر ، ويلهه عن ذكر اللّه ليتم له هذا الاتصال «فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ» .. وأول ما يخسرونه هو هذه السمة. سمة الإنسان. فهي موقوفة على الاتصال بالمصدر الذي صار به الإنسان إنسانا. ومن يخسر نفسه فقد خسر كل شيء. مهما يملك من مال ومن أولاد. ويلمسهم في موضوع الإنفاق لمسات متنوعة في آية واحدة .. «وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ» .. فيذكرهم بمصدر هذا الرزق الذي في أيديهم. فهو من عند اللّه الذي آمنوا به والذي يأمرهم بالإنفاق. «مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ...» .. فيترك كل شيء وراءه لغيره وينظر فلا يجد أنه قدم شيئا لنفسه ، وهذا أحمق الحمق وأخسر الخسران. ثم يرجو حينئذ ويتمنى أن لو كان قد أمهل ليتصدق وليكون من الصالحين! وأنى له هذا؟ : «وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها»؟ وأنى له ما يتقدم به؟ «وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ»؟ إنها اللمسات المنوعة في الآية الواحدة. في مكانها المناسب بعد عرض سمات المنافقين وكيدهم للمؤمنين. ولو إذ المؤمنين بصف اللّه الذي يقيهم كيد المنافقين .. فما أجدرهم إذن أن ينهضوا بتكاليف الإيمان ، وألا يغفلوا عن ذكر اللّه. وهو مصدر الأمان .. وهكذا يربي اللّه المسلمين بهذا القرآن الكريم .. ( يتبع - سورة التغابن ) |
|
07-02-2017, 10:54 AM | #454 |
عمدة الحاره
|
سورة التغابن
التعريف بالسورة سورة مدنية . من المفصل . آياتها 18 . ترتيبها الرابعة والستون . نزلت بعد التحريم . بدأت بفعل مضارع " يسبح " وهو أحد أساليب الثناء والتسبيح والتغابن اسم من أسماء يوم القيامة . سبب التسمية سميت بهذا الاسم لاشتمال السورة على التغابن من جانب كلا من المؤمنين بعدم زيادة الطاعة والكافر لتركه الإيمان . سبب نزول السورة 1) قال ابن عباس : كان الرجل يسلم فإذا أراد أن يهاجر منعه أهله ولده ، وقالوا ننشدك الله أن تذهب فتدع أهلك وعشيرتك وتصبر إلى المدينة ، بلا أهل ولا مال فمنهم من يرق لهم ويقيم ولا يهاجر ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . 2) عن إسماعيل بن أبي خالد قال : كان الرجل يسلم فيلومه أهله وبنوه ، فنزلت هذه الآية (إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ) . قال عكرمة عن ابن عباس : وهؤلاء الذي منعهم أهلهم عن الهجرة لما هاجروا ورأوا الناس قد فقهوا في : وهؤلاء الذي منعهم أهلهم عن الهجرة لما هاجروا ورأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوا أهليهم الذين منعوهم ، فأنزل الله تعالى ( وأن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم ) . ( يتبع ) |
|
07-02-2017, 10:55 AM | #455 |
عمدة الحاره
|
تابع – سورة التغابن
محور مواضيع السورة : تعني بالتشريع ولكن جوها جو السور المكية التي تعالج أصول العقيدة الإسلامية . ومقصودها الإبلاغ في التحذير مما حذرت منه المنافقون بإقامة الدليل القاطع على أنه لابد من العرض على الملك الدنيونية على النقير والقطمير يوم القيامة يوم الجمع الأعظم، واسمها التغابن واضح الدلالة على ذلك، وهو أدل ما فيها عليه فلذلك سميت به. و معظم مقصود السّورة بيان تسبيح المخلوقات، والحكمة في تخليق الخلْق، والشكاية من القرون الماضية، وإِنكار الكفّار البعث والقيامة، وبيان الثواب والعقاب، والإِخبار عن عداوة الأهل والأولاد، والأمر بالتّقوى حسب الاستطاعة، وتضعيف ثواب المتّقين، والخبر عن اطِّلاع الحقّ على علم الغيب في قوله: {عالِمُ الغيْبِ} الآية. قال ابن عاشور: سميت هذه السورة (سورة التغابن)، ولا تعرف بغير هذا الاسم ولم ترد تسميتها بذلك في خبر مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى ما ذكره ابن عطية عن الثعلبي عن ابن عمر من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مولود إلا وفي تشابيك مكتوب خمسُ آيات فاتحةُ سورة التغابن». والظاهر أن منتهى هذه الآيات قوله تعالى: {والله عليم بذات الصدور} (التغابن: 4) فتأمله. ورواه القرطبي عن ابن عمر ولم ينسبه إلى التعليق فلعله أخذه من تفسير ابن عطية. ووجه التسمية وقوع لفظ {التغابن} (التغابن: 9) فيها ولم يقع في غيرها من القرآن. وهي مدنية في قول الجمهور وعن الضحاك هي مكية. وروى الترمذي عن عكرمة عن ابن عباس: أن تلك الآيات نزلت في رجال أسلموا من أهل مكة وأرادوا الهجرة فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعُوهم يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث. وقال مجاهد: نزلت في شأن عوف الأشجعي وهي معدودة السابعة والمائة في ترتيب نزول السور نزلت بعد سورة الجُمعة وقبل سورة الصّف بناء على أنها مدنية. وعدد آيها ثماني عشرة. ( يتبع ) |
|
07-02-2017, 10:56 AM | #456 |
عمدة الحاره
|
تابع – سورة التغابن
محور مواضيع السورة : قال سيد قطب: هذه السورة أشبه شيء بالسور المكية في موضوعها وفي سياقها وفي ظلالها وإيحاءاتها، وبخاصة المقاطع الأولى منها. فلا يكاد الجو المدني يتبين إلا في فقراتها الأخيرة. والفقرات الأولى إلى ابتداء النداء: {يا أيها الذين آمنوا..} تستهدف بناء أسس العقيدة، وإنشاء التصور الإسلامي في القلوب بأسلوب السور المكية التي تواجه الكفار المشركين ابتداء، وتخاطبهم بهذا التصور خطاب المبتدئ في مواجهته. ثم هي تستخدم المؤثرات الكونية والنفسية كما تستعرض مصائر الغابرين من المكذبين قبلهم؛ وتعرض عليهم مشاهد القيامة لإثبات البعث، وتوكيده توكيدا شديدا، يدل على أن المخاطبين به من المنكرين الجاحدين. فأما الفقرات الأخيرة فهي تخاطب الذين آمنوا بما يشبه خطابهم في السور المدنية، لحثهم على الإنفاق، وتحذرهم فتنة الأموال والأولاد. وهي الدعوة التي تكررت نظائرها في العهد المدني بسبب مقتضيات الحياة الإسلامية الناشئة فيها. كما أن فيها ما قد يكون تعزية عن مصاب أو تكاليف وقعت على عاتق المؤمنين، ورد الأمر فيها إلى قدر الله، وتثبيت هذا التصور.. وهو ما يتكرر في السور المدنية وبخاصة بعد الأمر بالجهاد وما ينشأ عنه من تضحيات. ولقد وردت روايات أن السورة مكية، ووردت روايات أخرى أنها مدنية مع ترجيحها. وكدت أميل إلى اعتبارها مكية تأثرا بأسلوب الفقرات الأولى فيها وجوها. ولكني أبقيت اعتبارها مدنية- مع الرأي الراجح فيها- لأنه ليس ما يمنع أن تكون الفقرات الأولى فيها خطابا للكفار بعد الهجرة سواء كانوا كفار مكة أم الكفار القريبين من المدينة. كما أنه ليس ما يمنع أن يستهدف القرآن المدني في بعض الأحيان جلاء أسس العقيدة، وإيضاح التصور الإسلامي، بهذا الأسلوب الغالب على أسلوب القرآن المكي.. والله أعلم.. ( يتبع ) |
|
07-02-2017, 10:56 AM | #457 |
عمدة الحاره
|
تابع – سورة التغابن
محور مواضيع السورة : والمقطع الأول في السورة يستهدف بناء التصور الإيماني الكوني، وعرض حقيقة الصلة بين الخالق- سبحانه- وهذا الكون الذي خلقه. وتقرير حقيقة بعض صفات الله وأسمائه الحسنى وأثرها في الكون وفي الحياة الإنسانية: {يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور}.. وهذا التصور الكوني الإيماني هو أدق وأوسع تصور عرفه المؤمنون في تاريخ العقيدة. ولقد جاءت الرسالات الإلهية كلها بوحدانية الله، وإنشائه لهذا الوجود ولكل مخلوق، ورعايته لكل كائن في الوجود.. لا نشك في هذا لأن القرآن يحكيه عن الرسل وعن الرسالات كلها. ولا عبرة بما نجده في الكتب المفتراة والمحرفة؛ أو فيما يكتبه عن الديانات المقارنة أناس لا يؤمنون بالقرآن كله أو بعضه. إنما جاء الانحراف عن العقيدة الإيمانية من أتباعها، فبدا أنها لم تأت بالتوحيد الخالص، أو لم تأت بهيمنة الله واتصاله بكل كائن. فهذا من التحريف الطارئ لا من أصل الديانة. فدين الله واحد منذ أولى الرسالات إلى خاتمة الرسالات. ويستحيل أن ينزل الله دينا يخالف هذه القواعد، كما يزعم الزاعمون بناء على ما يجدونه في كتب مفتراة أو محرفة باسم الدين! ولكن تقرير هذه الحقيقة لا ينافي أن التصور الإسلامي عن الذات الإلهية، وصفاتها العلوية، وآثار هذه الصفات في الكون وفي الحياة الإنسانية.. أن هذا التصور أوسع وأدق وأكمل من كل تصور سابق في الديانات الإلهية.. وهذا متفق مع طبيعة الرسالة ومهمتها الأخيرة. ومع الرشد البشري الذي جاءت هذه الرسالة لتخاطبه وتوجهه؛ وتنشئ فيه هذا التصور الشامل الكامل بكل مقتضياته وفروعه وآثاره. ( يتبع ) |
|
07-02-2017, 10:56 AM | #458 |
عمدة الحاره
|
تابع – سورة التغابن
محور مواضيع السورة : ومن شأن هذا التصور أن يدرك القلب البشري- بمقدار ما يطيق- حقيقة الألوهية وعظمتها، ويشعر بالقدرة الإلهية ويراها في آثارها المشهودة في الكون، ويحسها في ذوات الأنفس بآثارها المشهودة والمدركة؛ ويعيش في مجال هذه القدرة وبين آثارها التي لا تغيب عن الحس والعقل والإلهام. ويراها محيطة بكل شيء، مهيمنة على كل شيء، مدبرة لكل شيء، حافظة لكل شيء، لا يند عنها شيء. سواء في ذلك الكبير والصغير والجليل والحقير. ومن شأنه كذلك أن يعيش القلب البشري في حساسية مرهفة، وتوفز دائم، وخشية وارتقاب، وطمع ورجاء؛ وأن يمضي في الحياة معلقا في كل حركة وكل خالجة بالله، شاعرا بقدرته وهيمنته، شاعرا بعلمه ورقابته، شاعرا بقهره وجبروته، شاعرا برحمته وفضله، شاعرا بقربه منه في كل حال. وأخيرا فإن من شأنه أن يحس بالوجود كله متجها إلى خالقه فيتجه معه، مسبحا بحمد ربه فيشاركه تسبيحه، مدبرا بأمره وحكمته فيخضع لشريعته وقانونه.. ومن ثم فهو تصور إيماني كوني بهذا المعنى، وبمعان أخرى كثيرة تتجلى في المواضع المتعددة في القرآن التي تضمنت عرض جوانب من هذا التصور الإيماني الشامل الكامل المحيط الدقيق. وأقرب مثل منها ما ورد في ختام سورة الحشر ، «يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ» .. فكل ما في السماوات والأرض متوجه إلى ربه ، مسبح بحمده وقلب هذا الوجود مؤمن ، وروح كل شيء في هذا الوجود مؤمنة ، واللّه مالك كل شيء. وكل شيء شاعر بهذه الحقيقة. واللّه محمود بذاته ممجد من مخلوقاته. فإذا وقف الإنسان وحده في خضم هذا الوجود الكبير كافر القلب جامد الروح ، متمردا عاصيا ، لا يسبح للّه ، ولا يتجه إلى مولاه ، فإنه يكون شاذا بارز الشذوذ ، كما يكون في موقف المنبوذ من كل ما في الوجود. «وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» .. فهي القدرة المطلقة ، التي لا تتقيد بقيد. وهي حقيقة يطبعها القرآن في القلب المؤمن فيعرفها ويتأثر بمدلولها ، ويعلم أنه حين يركن إلى ربه فإنما يركن إلى قدرة تفعل ما تشاء ، وتحقق ما تريد. بلا حدود ولا قيود. وهذا التصور لقدرة اللّه وتسبيح كل شيء له ، وتوجه الوجود إليه بالحمد .. هو طرف من ذلك التصور الإيماني الكبير. ( يتبع ) |
|
07-02-2017, 10:56 AM | #459 |
عمدة الحاره
|
تابع – سورة التغابن
محور مواضيع السورة : واللمسة الثانية في صميم القلب الإنساني ، الذي يقف في خضم الوجود المؤمن المسبح بحمد اللّه. مؤمنا تارة وكافرا تارة. وهو وحده الذي يقف هذا الموقف الفريد. «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ» .. فعن إرادة اللّه وعن قدرته صدر هذا الإنسان وأودع إمكان الاتجاه إلى الكفر وإمكان الاتجاه إلى الإيمان وتميز بهذا الاستعداد المزدوج من بين خلق اللّه ونيطت به أمانة الإيمان بحكم هذا الاستعداد. وهي أمانة ضخمة وتبعة هائلة. ولكن اللّه كرم هذا المخلوق فأودعه القدرة على التمييز والقدرة على الاختيار وأمده بعد ذلك بالميزان الذي يزن به عمله ويقيس به اتجاهه. وهو الدين الذي نزله على رسل منه. فأعانه بهذا كله على حمل هذه الأمانة. ولم يظلمه شيئا. «وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» .. فهو رقيب على هذا الإنسان فيما يعمل ، بصير بحقيقة نيته واتجاهه ، فليعمل إذن وليحذر هذا الرقيب البصير .. وهذا التصور لحقيقة الإنسان وموقفه هو طرف من التصور الإسلامي الواضح المستقيم لموقف الإنسان في هذا الوجود ، واستعداداته وتبعاته أمام خالق الوجود. واللمسة الثالثة تشير إلى الحق الأصيل الكامن في طبيعة الوجود ، الذي تقوم به السماوات والأرض ، كما تشير إلى صنعة اللّه المبدعة في كيان المخلوق الإنساني. وتقرر رجعة الجميع إليه في نهاية المطاف : «خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ، وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ، وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ» .. وصدر هذا النص : «خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ» .. يقر في شعور المؤمن أن الحق أصيل في كيان هذا الكون ، ليس عارضا وليس نافلة فبناء الكون قام على هذا الأساس. والذي يقرر هذه الحقيقة هو اللّه الذي خلق السماوات والأرض ، والذي يعلم على أي أساس قامتا. واستقرار هذه الحقيقة في الحس يمنحه الطمأنينة والثقة في الحق الذي يقوم عليه دينه ، ويقوم عليه الوجود من حوله فهو لا بد ظاهر ، ولا بد باق ، ولا بد مستقر في النهاية بعد زبد الباطل! ( يتبع ) |
|
07-02-2017, 10:56 AM | #460 |
عمدة الحاره
|
تابع – سورة التغابن
محور مواضيع السورة : الحقيقة الثانية : «وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ» .. تشعر الإنسان بكرامته على اللّه ، وبفضل اللّه عليه في تحسين صورته : صورته الخلقية وصورته الشعورية. فالإنسان هو أكمل الأحياء في الأرض من ناحية تكوينه الجثماني كما أنه أرقاها من ناحية تكوينه الشعوري واستعداداته الروحية ذات الأسرار العجيبة. ومن ثم وكلت إليه خلافة الأرض ، وأقيم في هذا الملك العريض بالقياس إليه! ونظرة فاحصة إلى الهندسة العامة لتركيب الإنسان ، أو إلى أي جهاز من أجهزته ، تثبت تلك الحقيقة وتجسمها : «وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ» .. وهي هندسة يجتمع فيها الجمال إلى الكمال. ويتفاوت الجمال بين شكل وشكل. ولكن التصميم في ذاته جميل وكامل الصنعة ، وواف بكل الوظائف والخصائص التي يتفوق بها الإنسان في الأرض على سائر الأحياء. «وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ» .. مصير كل شيء وكل أمر وكل خلق .. مصير هذا الكون ومصير هذا الإنسان. فمن إرادته انبثق ، وإليه - سبحانه - يعود. ومنه المنشأ وإليه المصير. وهو الأول والآخر. المحيط بكل شيء من طرفيه : مبدئه ونهايته. وهو - سبحانه - غير محدود! واللمسة الرابعة في هذا المقطع هي تصوير العلم الإلهي المحيط بكل شي ء ، المطلع على سر الإنسان وعلانيته ، وعلى ما هو أخفى من السر ، من ذوات الصدور الملازمة للصدور : «يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» .. واستقرار هذه الحقيقة في القلب المؤمن يفيده المعرفة بربه ، فيعرفه بحقيقته. ويمنحه جانبا من التصور الإيماني الكوني. ويؤثر في مشاعره واتجاهاته فيحيا حياة الشاعر بأنه مكشوف كله لعين اللّه. فليس له سر يخفى عليه ، وليس له نية غائرة في الضمير لا يراها وهو العليم بذات الصدور. وإن آيات ثلاثا كهذه لكافية وحدها ليعيش بها الإنسان مدركا لحقيقة وجوده ، ووجود الكون كله ، وصلته بخالقه ، وأدبه مع ربه ، وخشيته وتقواه ، في كل حركة وكل اتجاه .. ( يتبع ) |
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
التعريف, الصور, النزول, القرآن, الكريم, بسور, ومحاور, وأسباب, ومقاصد |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 25 ( الأعضاء 0 والزوار 25) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
«الدوخة».. عارض مزعج وأسباب مجهولة | رويم | زادك و صحتك | 5 | 02-20-2020 03:55 PM |
عملية حسابية لمعرفة رقم الصفحة في القرآن الكريم | إعجـــاز | خشوع وسكينة / إسلاميات الأمل | 6 | 01-02-2020 03:39 AM |
سجل حضورك بسوره من سور القرآن الكريم | فرح | خشوع وسكينة / إسلاميات الأمل | 54 | 01-01-2020 04:28 AM |
نساء لم يذكر القرآن الكريم أسمائهن | أميرة الاحساس | خشوع وسكينة / إسلاميات الأمل | 13 | 01-01-2020 02:21 AM |
الارهاب فى القرآن الكريم .. بقلمى | حسن سعد | خشوع وسكينة / إسلاميات الأمل | 9 | 04-12-2018 01:56 PM |