#1
|
|||||||||||||
|
|||||||||||||
الحكمة من ابتلاء الأنبياء
الحمد لله
أولاً : من أسباب المصائب : الذنوب ، ولكنها ليست السبب الوحيد ، فقد يبتلي الله تعالى بعض عباده الذين لم يذنبوا ، لينالوا أجر الصابرين ، وترتفع بذلك درجاتهم ، كما قد يبتلي الله بعض الأطفال ، وهم لا ذنب لهم . وانظر لمعرفة الحكمة من حصول الابتلاءات. ثانياً : أشد الناس بلاء الأنبياء روى الترمذي (2398) عَنْ سَعْد بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً ؟ قَالَ : الأَنْبِيَاءُ , ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ , فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ , فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ , وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ , فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ . صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (143) . وقد ذكر الله تعالى في كتابه صوراً من الابتلاء الذي تعرض له الأنبياء : قال تعالى : ( ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ) البقرة/87 . وقال تعالى : ( وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ) البقرة/91 . وقال تعالى : ( فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير ) آل عمران/184 . وقال تعالى : ( وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين ) الصف/5 . وقال تعالى : ( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم ) التوبة/61 . وابتلي إبراهيم عليه السلام بمعاداة أبيه وقومه له ، وبالإلقاء في النار . قال الله تعالى : ( قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الأَخْسَرِينَ ) الأنبياء/68-70 . وابتلي بالأمر بذبح ابنه إسماعيل ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) الصافات/102-107 . قال ابن القيم في الفوائد ص (42) : " الطريق طريقٌ تعِب فيه آدم ، وناح لأجله نوح ، ورُمي في النار الخليل ، وأُضْجع للذبح إسماعيل ، وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين ، ونُشر بالمنشار زكريا ، وذُبح السيد الحصور يحيى ، وقاسى الضرَّ أيوب ... وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم " انتهى . وأُخبر نبيُّنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالابتلاء في أول يوم من النبوة : قال ورقة بن نوفل : ( يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا , لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ ؟ قَالَ : نَعَمْ , لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلا عُودِيَ , وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا ) رواه البخاري (4) . ثالثاً : وأما الحكمة في ابتلاء الأنبياء ؛ فقد قال ابن القيم في "بدائع الفوائد" (2/452) : " فإنه سبحانه كما يحمي الأنبياء ويصونهم ويحفظهم ويتولاهم فيبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم : 1- ليستوجبوا كمال كرامته . 2- وليتسلى بهم من بعدهم من أممهم وخلفائهم إذا أوذوا من الناس فرأوا ما جرى على الرسل والأنبياء صبروا ورضوا وتأسوا بهم . 3- ولتمتلئ صاع الكفار فيستوجبون ما أعد لهم من النكال العاجل والعقوبة الآجلة فيمحقهم بسبب بغيهم وعداوتهم فيعجل تطهير الأرض منهم . فهذا من بعض حكمته تعالى في ابتلاء أنبيائه ورسله بإيذاء قومهم ، وله الحكمة البالغة ، والنعمة السابغة ، لا إله غيره ، ولا رب سواه " انتهى . وقال ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" (1/299–301) : " وإذا تأملت حكمته سبحانه فيما ابتلى به عباده وصفوته بما ساقهم به إلى أجلِّ الغايات وأكمل النهايات التي لم يكونوا يعبرون إليها إلا على جسر من الابتلاء والامتحان . . . وكان ذلك الابتلاء والامتحان عين الكرامة في حقهم ، فصورته صورة ابتلاء وامتحان ، وباطنه فيه الرحمة والنعمة ، فكم لله مِن نعمة جسيمة ومنَّة عظيمة تُجنى من قطوف الابتلاء والامتحان . فتأمل حال أبينا آدم صلى الله عليه وسلم وما آلت إليه محنته من الاصطفاء والاجتباء والتوبة والهداية ورفعة المنزلة . . . وتأمل حال أبينا الثاني نوح صلى الله عليه وسلم وما آلت إليه محنته وصبره على قومه تلك القرون كلها حتى أقر الله عينه ، وأغرق أهل الأرض بدعوته ، وجعل العالم بعده من ذريته ، وجعله خامس خمسة وهم أولو العزم الذين هم أفضل الرسل , وأمَر رسولَه ونبيه محمَّداً أن يصبر كصبره ، وأثنى عليه بالشكر فقال : ( إنه كان عبداً شكوراً ) فوصفه بكمال الصبر والشكر . ثم تأمل حال أبينا الثالث إبراهيم صلى الله عليه وسلم إمام الحنفاء وشيخ الأنبياء وعمود العالم وخليل رب العالمين من بني آدم ، وتأمل ما آلت إليه محنته وصبره وبذله نفسه لله ، وتأمل كيف آل به بذله لله نفسه ونصره دينه إلى أن اتخذه الله خليلاً لنفسه . . . وضاعف الله له النسل وبارك فيه وكثر حتى ملؤوا الدنيا ، وجعل النبوة والكتاب في ذريته خاصة ، وأخرج منهم محمَّداً صلى الله عليه وسلم وأمَره أن يتبع ملة أبيه إبراهيم . . . ثم تأمل حال الكليم موسى عليه السلام وما آلت إليه محنته وفتونه من أول ولادته إلى منتهى أمره حتى كلَّمه الله تكليما ، وقرَّبه منه ، وكتب له التوراة بيده ، ورفعه إلى أعلى السموات ، واحتمل له ما لا يحتمل لغيره ، فإنه رمى الألواح على الأرض حتى تكسرت ، وأخذ بلحية نبي الله هارون وجرَّه إليه ، ولطم وجه ملك الموت ففقأ عينه ، وخاصم ربه ليلة الإسراء في شأن رسول الله ، وربه يحبه على ذلك كله ، ولا سقط شيء منه من عينه ، ولا سقطت منزلته عنده ، بل هو الوجيه عند الله القريب ، ولولا ما تقدم له من السوابق وتحمل الشدائد والمحن العظام في الله ومقاسات الأمر الشديد بين فرعون وقومه ثم بنى إسرائيل وما آذوه به وما صبر عليهم لله : لم يكن ذلك . ثم تأمل حال المسيح صلى الله عليه وسلم وصبره على قومه واحتماله في الله وما تحمله منهم حتى رفعه الله إليه وطهره من الذين كفروا وانتقم من أعدائه ، وقطَّعهم في الأرض ومزَّقهم كل ممزق وسلبهم ملكهم وفخرهم إلى آخر الدهر . . . فإذا جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتأملت سيرتَه مع قومه وصبره في الله ، واحتماله ما لم يحتمله نبي قبله ، وتلون الأحوال عليه مِن سِلْم وخوف ، وغنى وفقر ، وأمن وإقامة في وطنه وظعن عنه وتركه لله وقتل أحبابه وأوليائه بين يديه ، وأذى الكفار له بسائر أنواع الأذى من القول والفعل والسحر والكذب والافتراء عليه والبهتان ، وهو مع ذلك كله صابر على أمر الله يدعو إلى الله فلم يؤذ نبي ما أوذي ، ولم يحتمل في الله ما احتمله ، ولم يعط نبي ما أعطيه ، فرفع الله له ذكره وقرن اسمه باسمه ، وجعله سيد الناس كلهم ، وجعله أقرب الخلق إليه وسيلة ، وأعظمهم عنده جاهاً ، وأسمعهم عنده شفاعة ، وكانت تلك المحن والابتلاء عين كرامته ، وهي مما زاده الله بها شرفا وفضلا ، وساقه بها إلى أعلى المقامات . وهذا حال ورثته من بعده الأمثل فالأمثل كلٌّ له نصيب من المحنة ، يسوقه الله به إلى كماله بحسب متابعته له " انتهى . والله أعلم . |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | تقييم هذا الموضوع |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
حياة الأنبياء | رويم | نفحات نبوية / الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام | 2 | 03-28-2019 01:05 AM |
هل الحكمة من خلق الكواكب والنجوم زينة السماء فحسب أم أن هناك حكم أخرى؟ | رويم | خشوع وسكينة / إسلاميات الأمل | 6 | 03-25-2019 05:39 PM |
خاتم الأنبياء | ابو الملكات | خشوع وسكينة / إسلاميات الأمل | 10 | 02-18-2018 02:36 PM |
ابتلاء المؤمنين | د. محمد العريفي | شموخ ملكه | خشوع وسكينة / إسلاميات الأمل | 5 | 10-27-2017 04:57 AM |
الذكاء x الحكمة | الفيصل | شدو مقدّس / حصريات الأعضاء بأقلامهم | 20 | 06-09-2017 12:19 AM |