#1
|
||||||||
|
||||||||
خربشة يائسة !!
لم تكوني أنتِ امرأةً عادية حتى يكون حبي لكِ عادياً. كنتِ طوفاناً يجرفُ أمامه كل أشجارِ القلق وجلاميدَ الترقُّب والتروي. كنتِ قادمةً كوجه الفجر الذي يُسقِط رهبانية الليل الطويلة. كنتِ نازلةً على جبين الكوكب المهجور وبين يديكِ ماء وحياة ومخلوقات ودورة شمسية جديدة.
كنتِ حبيبتي؛ ذلك الإتيانُ الأنثويُّ العاصف الذي لا يمنحُ الأشياءَ تفسيراتها بينما يكوِّن اتجاهاتٍ جديدةً على خريطة الحياة، يخلقُ أُمماً وحضارات. يغيِّرُ تواريخ الميلاد وعادات الليل والأحلام المعلَّقة على جدار النهار، وقوانين الصمت والكلام، والنظام الأزليّ لنبضات القلب. نوعُكِ هذا من النساء لا يرفِقُ بي، أنا عاشقُ المرّة الأولى. إنه يسحقني حتى آخر خليّةٍ تزورها الدماء، ثم يجمع فُتاتي ويُلملم ذرَّاتي ويعجبني من جديد، رجلاً آخر، كما يريدني الحب. رفعتُ المرساة، واتجهتُ إلى عينيكِ مباشرة، وفي داخلي يتشكَّلُ إيمانٌ جديد ومبادئُ أخرى ولغاتٌ وأساطيرُ وأقلامٌ ودفاترُ حكمة. كلّها راحت تخلُقُ نفسها في غمرة المواجهة، وتتفاعلُ مع بعضها البعض بأفضل ما تستطيع، لتصل إليكِ بسرعة، قبل أن تفلتي في السماء كما يُفلِتُ الغيم. كنتُ أكثرَ رجال الدنيا اشتهاءً لكِ. وكنتِ أنتِ، ببساطة، حدِّيَ الأخير الذي لا أتمنّى بعده شيئاً، من كل احتياجاتي الذكورية إلى الأنثى. لذلك، لم يكن الحب قراراً أسعى لأخذه، بقدْرِ ما كان قَدَراً يسعى لأخذي. في تلك الحالة الابتدائية من المشاعر المتعملقة بجنون، كنتُ أشعرُ أن كل محاولة للتفكير في ما أنا مقبلٌ عليه تُعتبر خربشةً يائسة على خريطةٍ تقودُ إلى مكانٍ واحد في النهاية. كل الاتجاهاتِ تشيرُ إليكِ. كل الكلمات. كل التصرفات. كل التفاصيل الصغيرة، والتشابهاتِ الطفيفة, كل الأشواق، والعادات، والأمنياتِ المتأرجحة على سنواتِ العمر، والأمل، والانتظار، ودوائرِ الترقُّبِ التي تنمو طفولةً، ومراهقةً ونضجاً. باختصار شديد جداً، لا تبقى بعده حاجةٌ للتبرير، كل الأقدار. قرأ الحبُّ ماذا ينقصني، جسَّ الروحَ والجسد والإنسان، وأحصى الفراغاتِ التي عجز الدهر عن ملئها في داخلي، والثقوب التي أحدثها بيديه في ثياب العمر، وعجن كل أحلامي وأدويتي وخيوط وسادتي وأسنَّة أقلامي مع بعضها، واختاركِ انتِ، ليضعكِ في طريق حياتي الأول، دون أن أرى في منامي أحد عشر كوكباً والشمس والقمر. جئتِ على بساطِ القَدَر، قالت لي أمي ذات مساء: "السماء مليئةٌ بالنجوم يا ولدي. وكلّها أساطير، هناك نجمةٌ واحدةٌ لك فقط، لا تلمع إلا ليلةً واحدةً في العمر". وكنتِ أنتِ نجمتي التي تعلم، قبل ليلة اللمعان، أيَّ رجال الأرض سيتبعها إذا نَزَلت، ويموتُ إذا افَلَتْ. ولم أكن أعلم أن عشق النجوم صعب، لأنها لا تبقى. ولكنه قَدَري. لا يكون الحب قراراً أبداً، إنه الشيءُ الذي يختارُ اثنين بكل دِقِّة، ويُشعِلُ بينهما فتيلَ المواجهة، ويتركهما في فوضى المشاعر، دون دليل. إنه يريدهما بذلك ان يتعلّما أول دروس الحب. كيف يحتاج كلٌ منهما إلى الآخر. **** يدي معلّقةٌ على قلمٍ أبيض صغير. القلم الذي أخذتُهُ منكِ لأكتب قصيدة أخيرةً تحتفظين بها، وأصررتِ أنتِ على أن أحتفظ به للذكرى، فعلَّقتُه في جيبي، وعدتُ به إلى البيت، وأنا لا أدري أيَّ دورٍ سيكون له في حياتي. |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|