لحظـة الإرتطـام بالرصيــف !! العاقل الفطن لا يقسم بصحة أفكاره جازماُ .. وكمال القياس في اجتهادات البشر من المستحيل .. ويندركمال الكمال في الوجود .. وأهل الحكمة يقولون : ( الكمال لله وحده ) .. وعليه فإن أحكام البشرعرضة للنقص والنقض والأخذ والرد في أغلب الأحيان .. ورغم ذلك نجد أن الحياة تنوء بثقل الأهواء والضلال والبدع .. ثم تلك المواقف المتطرفة المربكة .. ومواقف البشر كالمعادن تتباين وتختلف في خواصها .. قد تلتقي في نواحي من الأمور .. وقد تتعارض في الكثير من الأمور .. ولا تخلو تلك المواقف من جوانب إيجابية وجوانب سلبية .. ولكن المشكلة الكبرى تتمثل عندما يصاب صاحب الموقف بداء التطرف والتعصب .. فهو في الغالب الأعم يصاب بعمى الأنانية المفرطة .. ويمتطي علة الحماقة ولا يرى موقفاُ في هذه الدنيا يفاضل موقفه الخاص .. نجده يستميت فقط لمجرد المكابرة والمكانة قبل أن يستميت من أجل الحق والصواب .. وعليه فإن أغلبية الجماعات في هذا العصر العجيب تتمسك بالمنصة التي تقف عليها بتلك الطريقة الهمجية المتطرفة .. وتجاهد دون مفاهمة أو استدراك .. ودون تهاون وهوادة .. ثم تعض على تلك الأفكار بالنواجذ .. بغض النظر عن صحة أو عدم صحة تلك الأفكار .. وهي جماعات لا تدري ولا تهمها مقدار الضلال والهوى في أفكارها .. كما أنها تجهل المغبة والعواقب الوخيمة القاتمة التي تنتظرها في يوم من الأيام .. وذلك المصير المظلم يماثل اللغم الوشيك على الإنفجار والإهلاك .. وقد يتفاخر صاحب الموقف بأنه رجل مبادئ وثوابت .. وتلك علة إنفصامية تصيب أغلب الناس في هذا العصر .. وهي نفس العلة التي أصابت وأهلكت أبا جهل وأبا لهب حين تمسكوا بمواقف الشرك حتى الرمق الأخير .. وعند العتبة الأولى في سلالم الدار الآخرة تتجلى هول المصيبة .. حيث يقول المرء ( يا ليتني لم أفعل ,, ويا ليتني لم أجادل ,, ويا ليتني لم أتطرف .. ويا ليتني كنت تراباُ ! ) .. وهي أهوال نتائجها مريرة تقع لحظة الإرتطام بالرصيف .. وفيها لا تنفع سنوات الإبحار في الحياة .. حيث تمثل الهباء المنثور .. والإنسان الحكيم اللبق العاقل لا يتبع الغريزة كالأنعام .. ولا يجاري الآخرين في الأفكار والمعطيات لمجرد التناغم مع الأهواء والأمزجة .. ولا يجامل في الباطل من أجل التملق والمنفعة الذاتية .. ولا يعاند لمجرد العناد .. ولو أدرك المرء حقيقة الحياة لعلم أن الإنسان مقيد بأحكام السماء ولا خيار للإنسان في القفز فوق المشيئة .. ولكن في الحقيقة هي تلك النفوس الظالمة التي تتمرد عن إرشادات السماء لتواكب الأهواء وتلبي نداء الأطماع والطامعين .. وكم وكم من نفوس تقع في شراك المجتهدين من أبناء البشر .. وما أكثر الأجتهاد في عصر الكبائر والموبقات .. فنجد المهازل قد طغت واكتسحت المعالم والمحافل والطرق .. كما تفرقت جماعات البشر وأختلفت في المواقف بقدر يجلب العجب .. وتلك الجماعات تقدس المواقف الذاتية بدرجة الحماقة والتهور .. والصورة العامة مخزية وتؤلم الأفئدة وتؤكد الإنفصام في المجتمعات .. كما أنها صورة تؤكد صدق قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال : ( والذي نَفْسُ محمَّدٍ بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، فواحدة في الجنة ، واثنتان وسبعون في النار ) .. والأحوال في الواقع المعاش اليوم تؤكد حقيقة ذلك التفرق وذلك التمزق .. ولكن السؤال والحيرة التي تراود النفوس هي : مالذي يجبر الإنسان على المكابرة والتمسك والتطرف والتعصب في جدل قد يقبل الخطأ والصواب ؟! .. ولو فكر ذلك الإنسان قليلاُ لأدرك أن خير الحصاد في ثمارالتريث والتمعن قبل الإقدام على التطرف والتعصب .. ولأدرك أن الحكمة تتجلى في المرونة وفي ترك الأمورعلى السجية المبنية على الفطرة والسماحة .. وحينها سوف يدرك أن التطرف والتمسك الأعمى هو سبيل الحمقى والجهلاء