سَماءٌ لَن تُدَنَس

حينَ يُمطِرَني لَحنُكَ الباكي أَشعُرُ بِرَغبَةٍ عَارِمَة إِلى لَمسِ تِلكَ الدَمعَةِ السَاخِنة فَوقَ وَجنَتِك
يشعلنِي صَوتُ حَرفَكَ الفَاضِح لِأَساريرك يَا صَديقي ويبعثرُ هَدأَة مَسائي
وَيَضخُ الدَم الأَحمَرَ بِأَورِدةِ جَرح الزَمن بِقُوَةِ لِيَعودَ ويَتَنَفس
وَتَتشَكَلُ في سَمائي غَيمَةٍ سَاخِنة تُمطِرُ نَزفًا هَارِبا من عُمقِ الذاكِرة
فَتَتنتَفضُ روحي وَتَتَجَمَدُ أَطرافي وتُصابُ عِظامي بِهَشاشَةٍ مُبَكِرَة
صَوتُ أَنينك يَجعَلُني بِحالةِ طالَما كُنتُ أُواريها عَن أَعين بني البشر
آآآهٍ يا صَديقي ،، يا رَفيقَ حُزني كَم أَنتَ تُشبِهُني
لِمَ يا صَديقي تَكتُبني ،،لِم رَسمتني ،،، لِمَ أَسقَطت قِناعي
كَشَفتَ سري وكتَبتَ قِصَتي بِحروفي فوقَ ورَقتي البَالِية
بِدَمعِ عَيني الذي طَوَيتَه منذُ زَمن وابتَلَعتَهُ غُصَةِ تَحرقُ أَحشائي
صَوتُكَ هذا المساء يُدنيكَ مني يِسكُنُكَ عِندي في عليين
يَجعَلُكَ غِطاء يَلُفَني يضمد النزف الهارب من فوة جرحي
هاتِ ذِراعَكَ ياصديقي مُتَكَأ ! لأَبكي غُصَتي عَلَني أستريح
سَأُسبِغَك بكل لغات الحُزن ما ظَهر منها وما بطن
سَاَنثُر شعري الذي كساه الشيب وَأتركَه عَلى كَتفكَ ينتَشي
ولكن لا تَخف يا رفيقي إن أحدَث حَولك نَزف جرحي الضجيج
فقد صَحي ذلك الماردُ الذي سُجن بداخلي أَعوام وقد يبتلِع حزنك بِوَحشية
يا صَديقي دعني أتلوا طقوس الحزن فقد كنت أحمل فوق صدري منها سموات سبع
فانتكاسات الأمل لأيامي خافضة رافعة وأحلامي أكلتها نار موقدة
دعني أنسج من دمعي عرش يليق بمقام جراحي النازفه
دعني أَغرق ،، وأَغرق ،، حتى أرجع بالزمن لصبيحةِ ذلك الخميس
الخميس الإستثناء !!حيث توقف الزمن
نعم الزمن توقف صباح الخميس حين شهقت ست النساء آخرُ شهقاتها
حين دنت روحها الطاهرة الى بارئِها وامطَرت السماء هم وحُزن وصَقيع جمد الصوت بحُنجرتي
حينما خذلني صَوتي وأدبر ولم يصرخ بهم لا تدفنوها ،،،
تجمد صوتي ،، وشُلت أوتار صوتي والحروف متزاحِمة بحلقي والدَمع هاربٌ من عيني
تَجمدت أهدابي ،، أشعر بالنُعاس ولا أنام
رئتي تتَنفس ولا تَضح الهَواء الذي يكفيني
مازالت رئتي تتنفس لكني لستُ من الأحياء ولا من ضِمن الأموات
ولا الضَوء يمر بأشَعته عبر مقلتاي فَالاشياء حَولي كساها السَواد
وغرفتي يمَلؤها دُخان كومات آلامي وتُحاصرني دَوائر فَوق رأسي
ذكرياتي .. طُفولتي ..
صُورة أحلى طيف يَسكن وجداني
أَصدق عشق عشته في أَيام حَياتي
وأبحثُ عنها بين كل الوُجوه وتَنزوي كل الوجوه
اصبحَ الكونُ حولي بلا أفق
ثمةُ حُزن آخر يضوع و وَجعٌ يتأججْ وَ أثوابٌ مِن الحرمَان تُحاك لي
والستار يُرفَع عَن فصلٍ آخر من فُصول مَسرحية حَياتي
أَمتِعة .... حَقائب ... ووطن أتركه دون وَداع
لأبدأ رِحلَت غُربَتي وَتشتتي ونظرة حائرة إلى الغَد
وصَبرتُ نَفسي قائلة ! وَهل هُناك غربة أكبر من غربة فقدِ الأَهل والأحباب
وتبقى ذاكرتي مقيدةٌ بأَسوارها تستَحضر أَطيافها
وفي كنف إغترابي ناديت زماني أن يفتح باب أفراحي فالأحزان أغلقت كل أبوابي
ناديت زماني أن يأتي لي بأحبابي فأجابني بصمته وأذاقني أشد عقاب
فأبى أن يأتي بهم حتى بأحلامي وتركني اسيرةُ أُفقي المعلقِ بالغياب
تتسابق الأشياء حولي وأنا مازلت أعيش وحدتي في زنزانتي
وَليالِ الوَحشة وحدي سادِنتها وسَيدتها
وَحدي أروي زنابِقها الذابلة مِن دَمع عَيني
وَأرى أَيامي تخاتلني وتَمُد لي كَفني
وتضبطُ خطوَتي نَحوَ نهايتي
وأرى وَطني تحت إبط المسافة سفينة ابتلعها موج المحيط
وأرى طفولتي جثة مساجاة في تابوت
وَأحلامي حجارة ملقاة على ذلك الرصيف
فكرهت ذاتي التي لم تعد تقوى على الحياة
كرهت ذاتي التي لم تعد قادرة على النسيان أو الهروب من اليأس
بعدما كنت جبلا راسخا لايحفل بالأهوال
لم أعد سوى حطام يهزه زمهرير الزمن
فتعالت في الأفق شهقاتي وتوسلت الزمن بحرقة قلب
خُذِ الروحَ مني يا زمن وارمني بذلك العالم السفلي
حجراً على قاع الطريق ربما تلتقطني ايدي أحبابي يوما
خذ الروح يا زَمني الى ذلك العالم السفلي
وازرعني وردةً فوق قباب قبورهم
لعل تحتضنني أَصابعهم ويتنفسوني فأسكن صدورهم
خذني يا زَمن فقد أعلنت إنتمائي للعالم السفلي
ربما سأتنفس بعمق وأهشم ذلك الجرح الساكن بين أضلعي
ربما يموت جرح الزمن في صدري
يموت جرح الزمن بصدري