ثم تمضي السورة في بيان المنهج الرباني لهذه الجماعة المسلمة . منهج التصور والعبادة , ومنهج السلوك والمعاملة , تبين لها أن الذين يقتلون في سبيل الله ليسوا أمواتا بل أحياء . وأن الإصابة بالخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات ليس شرا يراد بها , إنما هو ابتلاء , ينال الصابرون عليه صلوات الله ورحمته وهداه . وأن الشيطان يعد الناس الفقر ويأمرهم بالفحشاء والله يعدهم مغفرة منه وفضلا . وأن الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور , والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات . . وتبين لهم بعض الحلال والحرام في المطاعم والمشارب . وتبين لهم حقيقة البر لا مظاهره وأشكاله . وتبين لهم أحكام القصاص في القتلى . وأحكام الوصية . وأحكام الصوم . وأحكام الجهاد . وأحكام الحج . وأحكام الزواج والطلاق مع التوسع في دستور الأسرة بصفة خاصة . وأحكام الصدقة وأحكام الربا . وأحكام الدين والتجارة . . .
وفي مناسبات معينة يرجع السياق إلى الحديث عن بني إسرائيل من بعد موسى . وعن حلقات من قصةإبراهيم . ولكن جسم السورة - بعد الجزء الأول منها - ينصرف إلى بناء الجماعة المسلمة , وإعدادها لحمل أمانة العقيدة , والخلافة في الأرض بمنهج الله وشريعته . وتمييزها بتصورها الخاص للوجود , وارتباطها بربها الذي اختارها لحمل هذه الأمانة الكبرى .
وفي النهاية نرى ختام السورة ينعطف على افتتاحها , فيبين طبيعة التصور الإيماني , وإيمان الأمة المسلمة بالأنبياء كلهم , وبالكتب كلها وبالغيب وما وراءه , مع السمع والطاعة: آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون , كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله , لا نفرق بين أحد من رسله , وقالوا:سمعنا وأطعنا , غفرانك ربنا وإليك المصير . لا يكلف الله نفسا إلا وسعها , لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت , ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا , ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا , ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به , واعف عنا واغفر لنا , وارحمنا , أنت مولانا , فانصرنا على القوم الكافرين . .