في كتاب الله العزيز نوعان للفرح مطلق، وهناك فرح مقيد، الفرح المطلق أي غير مقيد بشيء، قال تعالى:
﴿لَا تَفْرَحْ﴾
( سورة القصص الآية: 76 )
بماذا ؟
مطلقة.
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) ﴾
( سورة القصص )
لما خرج قارون على قومه بزينته وافتخر بها قيل له:
﴿ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾
الفرح هنا مطلق، لكن سياق الآية يجعله مرتبطاً بالدنيا، إذاً كقاعدة جاءك دخل كبير اختل توازنك من الفرح، هناك مشكلة، تزوجت امرأة تروق لك، اختل توازنك من الفرح، عندما جاءك ضيف قلت لها: تفضلي أم فلان، تريد أن تفتخر بها أمام الآخرين، هذا الفرح الذي ذمه الله عز وجل،
﴿ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾
بل إن هذا الذي شرد عن الله عز وجل من صفاته أنه:
﴿لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) ﴾
( سورة هود )
المقيد:
﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾
( سورة الأنعام الآية: 44 )
من عقاب الله للشارد عنه أنه لا يسقطه إلا من علٍ، يصعد به إلى أعلى، ثم فجأة يقصمه، هذا سمي السقوط من علٍ، الإنسان تأتيه الدنيا من كل أطرافها، يختل توازنه ، يستعلي، يتكبر، يهمل الفقراء والمساكين، يعلو عليهم، ليس عنده وقت ليلتقي بهم، مشغول، فجأة يقصمه الله عز وجل من علٍ،
﴿ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾
﴿فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) ﴾
( سورة الأنعام )
دائماً الإنسان الشارد عن الله تجد بأعلى درجة من النجاح هنا يؤخذ، هنا يقسم،
﴿ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾
الآن الفرح المقيد نوعان:
نوع مذموم، الفرح المطلق مذموم،
﴿ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾
الفرح المقيد نوع متعلق بالدنيا، وهو المذموم،
﴿ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾
ونوع مقيد بفضل الله ،
﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾
﴿هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) ﴾
( سورة يونس الآية: 58 )
هناك شيء آخر، في حالة تشابه الفرح هي الاستبشار، قال تعالى:
﴿ فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ﴾
( سورة آل عمران الآية: 170 )
الاستبشار بما لم يحصل بعد، والفرح بما حصل، الأولى بما حصل، والثانية بما لم يحصل، لكن أحد أسباب فرح المؤمن هو استبشاره أن الله وعده بالجنة، فهذا الوعد بالجنة يمتص كل متاعب الدنيا، والإنسان حينما يتوعده الله بالنار أيّ شيء نقص من لذته في الدنيا يقيم الدنيا ولا يقعدها، لأنه ليس له شيء في الآخرة، ليس له إلا الدنيا، فإن لم تكن كما ينبغي ينتحر فوراً، أما المؤمن فكل متاعب الدنيا تمتص بوعد الله له، والدليل قوله تعالى:
﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61) ﴾
( سورة القصص )
فوعد لهذا المؤمن بالجنة، المستقيم الطاهر، الذي يخاف الله عز وجل، الذي يعبده، الذي يكون في خدمة عباده، يشعر بأعماق أعماقه أن له عند الله شيئًا بعد الموت، الموت ليس نهاية كل شيء، بداية كل شيء.
فحينما تثق بوعد الله لك، وأنه في الأعم الأغلب إذا كنت مستقيماً، طاهراً محسناً فلك الجنة، فهذه الجنة تنسي كل شيء، لذلك الحياة الدنيا من دون جنة فيها مليون سؤال.
لو فرضنا أن امرأة لم تكن على جانب من الجمال، ما الذي ينسيها هذا النقص ؟ وعد الله لها بالجنة، تجدها مستقيمة، قد لا تلفت النظر، لكن عند الله لها مكانة علية.
إنسان فقد بصره، ما الذي ينسه هذه المصيبة ؟ أنه إذا رضي بحكم الله عز وجل وعده الله بالجنة.
إنسان ما أنجب أولادًا، عقيم، ما الذي ينسيه هذا العقم ؟ أن الله وعده بالجنة إذا كان صابراً، فتجد أن الإنسان حينما يؤمن بالآخرة، ويؤمن بفضل الله عز وجل هذا الإيمان الذي يلزمه إيمان بوعد الله عز وجل، هذا ينسيه كل متاعب الحياة الدنيا، تجد المؤمن راضيًا، وما عنده شيء، هو راض وهو فقير، راضٍ وهو يسكن بيتًًا صغيرًا، راضٍ ودخله محدود، راض وأولاده ليس كما يتمنى، راض وعمله متعب .
الآخر ساخط، وهو في قمة الغنى، ساخط وهو في قمة اللذات، هكذا شاءت حكمة الله، أن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين.
ثم إن الله عز وجل يقول:
﴿ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾
يعني افرح بفضل الله، افرح أنك مستقيم، سينا عمر أصابته مصيبة، قال الحمد لله ثلاثاً: الحمد لله إذ لم تكن في ديني، الحمد لله إذ لم تكن أكبر منها، الحمد لله إذ ألهمت الصبر عليها.
الآن هناك مفارقة بين حالة الإنسان في الدنيا وفي الآخرة:
﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً (11) وَيَصْلَى سَعِيراً (12) ﴾
( سورة الانشقاق )
لكن في الدنيا:
﴿إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (13) ﴾
( سورة الانشقاق )
يأكل، يتغطرس، يمزح مزحًا فاحشًا، يضحك الناس، إذا مسه أحدٌ بكلمة يسحقه،
﴿ إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا ﴾
أما المؤمن:
﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (9) ﴾
( سورة الانشقاق )
من لوازم الفاسق والفاجر والعاصي أنه كان مسرورا، ومن لوازم المؤمن أنه يكون مسرورا، فلذلك العبرة لمن يضحك آخراً، البطولة لا أن تضحك أولاً، أن تضحك آخراً.
هذا الذي أتمنى أن يكون واضحاً في هذا الشهر الكريم، عليك أن تفرح بفضل الله ، وهؤلاء الأنبياء، وهم قمم البشر.
سيدنا موسى امتحن بمفارقة الوطن والأهل والهجرة ، وسيدنا إبراهيم ألقي في النار، وسيدنا يونس كان في بطن الحوت، وسيدنا أيوب ذاق من آلام المرض ما لا يحتمل، وسيدنا النبي عليه الصلاة والسلام قال:
(( لَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّه وَمَا يُؤْذَى أَحَد ))
[ أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك ]
فحينما يؤمن الإنسان بفضل الله وبرحمته تهون عليه الدنيا.