المنظور الإسلامي في رعاية الأطفال
(رعاية الإسلام للأطفال)
إذا كانتِ الأممُ المتَّحِدة قد بدأتْ تُعنَى بالطفولةِ، وقرَّرت عيدًا لها في نوفمبر من كلِّ عام في ذكرى إعلانِ حقوق الطفل، وذلك من خلالِ الوثيقة التي أعلنتْها المنظمة الدولية، فإن الإسلام منذ أكثرَ من ألف وأربعمائة عامٍ عُنِي بالطفولة، وجَعَل من مبادئه الكريمةِ ورعايته عيدًا دائمًا لها، ولم يكتفِ بحقوق الطفل منذ وجودِه في الحياة، ولكن حدَّد له حقوقَه حتى قبل أن يُولَد.
وحديث القرآن عن الطفولة يَفِيض بالمودَّة؛ حيث يُقسِم الله - تعالى - بالطفولة في قوله - تعالى -: ï´؟ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ï´¾ [البلد: 1 - 3]، والأطفال هم بُشْرى؛ فقد قال الله - تعالى - في ذلك: ï´؟ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ï´¾ [مريم: 7]، وهم زينة الحياة الدنيا كما في قوله - تعالى -: ï´؟ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ï´¾ [الكهف: 46]، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَرسُم لنا عالَم الطفولة، وكأنه عالَم قريب من عالَم الجنة، فيقول - صلى الله عليه وسلم -: ((الأطفال دَعَامِيص الجنة))، والدعاميص هي نوع من الفراشات الجميلة.
ورعاية الأطفال واجبةٌ، وحبُّهم قرب إلى الله، كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((لولا أطفال رُضَّع، وشيوخ رُكَّع، وبهائم رُتَّع، لصُبَّ عليكم العذاب صبًّا))، فقد جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأطفال سببًا في عدم نزول العذاب.
اهتمام الإسلام بالطفل قبل أن يولد:
الإسلام لم يهتمَّ بالطفلِ فقط منذ ميلادِه؛ وإنما قبل أن يتكوَّن بصورةٍ أو بغير صورة عند أمه وأبيه؛ فالإسلام يَأمُر الرجلَ عند الزواج أن تكونَ الزوجة متديِّنة ((فاظفرْ بذاتِ الدِّين تَرِبَتْ يَدَاك))، وألاَّ يكونَ جمالُ المرأة، أو حسبها، أو مالها هو كلَّ شيء، بل لا بدَّ أن تكونَ ذاتَ دينٍ من بيت كريم؛ لأن أولادَها سيَرِثُون من أخلاقها وصفاتها وسلوكها، ونَهَى عن الزواجِ بالجميلة دون أن يؤازر هذا الجمالَ قيمٌ أخلاقية وتربوية، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إيَّاكم وخضراءَ الدِّمَن))، وهي المرأة الجميلة في المَنبَت السوء، وبالمقابل أرشَد الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - أولياءَ المخطوبة أن يبحثوا عن الخاطبِ صاحبِ الدِّين والخُلُق الكريم؛ ليَرعَى الأسرة رعايةً كاملة، ويؤدِّي حقوق الزوجية والأولاد، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا جاءكم مَن ترضون دينَه وخُلُقَه فزوِّجوه، إلا تفعلوه تَكُن فتنةٌ في الأرضِ وفساد كبير))؛ (حديث شريف)، وقيل في كلام العرب: ((اغتَرِبُوا ولا تضووا))؛أي: لا يهزل نسلُكم.
وإذا ما جئنا إلى القرآن الكريم، وجدناه يُشِير إلى أن الطفلَ يتكوَّن من نطفةٍ أمشاجٍ كما في قوله - تعالى -: {ï´؟ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ ï´¾ [الإنسان: 2]؛ أي: إن الطفل يتكوَّن من الخصائص الوراثية للأسرتين، ومعنى هذا أن الطفل المتباعِد النَّسَب بين أمه وأبيه يكون أخصبَ عقلاً، وأرحبَ فكرًا، وأقوى جسمًا، وبذلك يكون الإسلام قد سبق العلماءَ الذين أثبتوا - بعد ذلك بعدة قرون - ما للوراثة من أثرٍ، مؤكدًا أنه إذا ما تم اختيار الزوجين على أساسٍ سليم، كان الأولاد أخصبَ عقلاً، وأرحبَ فكرًا، وأقوى جسمًا.
حب الرسول - صلى الله عليه وسلم - للطفولة:
لقد كان حبُّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - للطفولة يملأ قلبَه المُضِيء، صَعِد ذاتَ يومٍ يَخطُب الناس، ورأى الحسن والحسين يَجْرِيان ويتعثَّران، فقطع خطبتَه، ونزل فاستقبل الطفلين وحملهما على ذراعيه، ثم صَعِد المنبر، وقال: ((أيها الناس، ï´؟ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ï´¾ [التغابن: 15]، والله لقد رأيتُ ابنيَّ يجريان ويتعثَّران، فما أطقت حتى نزلتُ فحملتُهما))، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يصلِّي ذاتَ يوم فأقبلَ الحسن والحسين فرَكِبا ظهرَه وهو ساجد، فأطال السجود، ولم يرضَ أن يعجل بنزولهما، حتى نزلا، وحين سلم - صلى الله عليه وسلم - قال أصحابه: لقد أطلتَ السجودَ يا رسول الله؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد ارتحلَنِي ابناي، فكَرِهتُ أن أُعجلهما))، وكان - صلى الله عليه وسلم - يعجل في صلاته إذا سَمِع بكاء الطفل، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: ((إنِّي كَرِهتُ أن أشقَّ على أمه))، وكان يمر ذات صباح على بيتِ فاطمة، فبلغ سمعَه بكاءُ الحسنِ، فشقَّ عليه ذلك، فقال - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة: ((أَوَما علمتِ أن بكاءه يؤذِينِي)).
ودخل الأقرع بن حابس على رسول الله - صلى الله عليه سلم - وهو يقبِّل حفيديه الحسن والحسين، فقال: يا رسول الله، أتقبِّل وَلَدَي ابنتِك؟! والله إن لي عشرةً من الأولاد ما قبَّلتُ أحدَهم، فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((وما عليَّ أن نزع الله الرحمة من قلبك؟!)).
كيفية الاستفادة من المنظور الإسلامي في تربية الأبناء:
يمكن الاستفادة من المنظور الإسلامي في تربية الأبناء من خلال:
1- مساعدة الأطفال على التركيز على معنى ما هو مقدَّس، والتقدير العام للمعاني الدينية.
2- عدم اقتصار إدراك الطفل لما هو مادي ومحسوس وقائم؛ وإنما إيمانه ووَعْيه بما هو مُطلَق ولا نهائي وغيبي.
3- الشعور بمغزى وهدف الوجود، وانعكاس ذلك على الأطفال.
4- مساعدة الطفل على الإيمان بمعاني الحق، والخير، والسمو، والرغبة في أن يعم ذلك ذاته والمجتمع البشري والبيئة المحيطة به.
5- التقيد بالمُثُل العليا، ومحاولة الاقتراب منها، والرغبة في تحقيقها.
المراجع:
1 - رأفت عبدالرحمن محمد: رعاية الأسرة والطفولة من منظور الخدمة الاجتماعية، بنها، دار العلوم للنشر والتوزيع، 2005.
2 - الحسيني عبدالمجيد هاشم، وآخرون: المنهج الإسلامي في رعاية الطفولة، القاهرة، ب . ن، 1991.
3 - عبدالعزيز النوحي: "الممارسة العامة في الخدمة الاجتماعية" عملية حل المشكلة صمن إطار نسقي إيكولوجي، القاهرة، مكتبة سمير للطباعة، 2007، بتصرف.