ظلت تتأمل وجوه من حولها في صمت ووجوم .
محاولة إخفاء الذهول الذي انتابها
تخدر جسدها المنهك من آلام الوضع المتعسرة برغم مرور اسبوعا عليه
كانت تنظر لكل من جاء ليهنئها بخوف كأنه شبح الموت
الغرفة مليئة بالبشر .
الخدم وأقاربها وأقارب زوجها وصديقاتها المقربات
وفي ظل هذه المعمعة وبعدما أخذت تتأمل وجه كل فرد بالغرفة كأنها في عالم آخر
لمحت زوجها الذي كانت الفرحة مرتسمة على محياه
وهويلاطف الجميع ويشكرهم على مباركتهم وهداياهم
وبيده المولودة
ويهتف بعد أن كادت دموع الفرح تتقاطر من عينيه
-إنها نسخة من أختها بسمة رحمها الله وهي صغيرة أنظروا ....أنظروا جيدا كأنها بسمة
ردت أخته رهام والابتسامة الحانية مرتسمة على شفتيها
= نعم والله يا مازن كأنها بسمة سبحان الله
لا تتعجب إنها جميلة كأمها وغمزت لنسيان مداعبة
كادت تلك الكلمات بمثابة رصاصة في قلب الأم التي بدأت أنفاسها تضيق
حتى كادت ان تختنق وأطرافها ترتجف وضربات قلبها تسارعت بجنون
حاولت الصراخ ولكنها لم تستطع بعدها اظلمت الدنيا في عينيها وغابت عن الوعي ..
....
ومر شهرين
منذ ذلك اليوم وبحضور المولودة ....تغيرت الأمور وتبدل حال الأسرة
السيد مازن ..برغم شخصيته القوية لم يعد يستطع التعامل مع زوجته كسابق عهده
وكأنها تبدلت ....
اصبحت صامتة واجمة مستفزة متمردة. ناقمة غير واعية لبعض سلوكها وتصرفاتها شاردة الذهن دائما
شديدة العصبية
غير مهتمة بأناقتها ومظهرها كالسابق غيرالسواد الذي تحدد حول عينيها من السهر ....امور كثيرة تبدلت في حياتها ...
كثرت المشاكل بينهما خاصة عندما احضرت لبسمة مرضعة ومربية في ذات الوقت لتقيم معهم في المنزل
تدهور الوضع ......
و عصبيتهاازدادت حينما سمعت بكاء ابنتها فأسرعت تجاه غرفتها
صارخة في وجه المربية
= أريد أن أعرف لما احضرتك إلى هنا ؟
اسمعيني جيدا وافهمي ما اريده ....
لاأريد سماع صوت الفتاة أبداً ابداً
أفهمت ؟
لم تكتفي نسيان بهذا بل قررت بناء غرفتين في نهاية فناء البيت للمربية وابنتها التي اصر زوجها ان يسميها
بسمة على اسم ابنتهما المتوفاة .......
مستغلة سفر زوجها لعقد صفقة تجارية عاجلة في ألمانيا ...
واستمر هذا الوضع شهرين متتابعين حتى عاد الزوج الذي اشتعل غضبا وسخطا حينما علم بالأمر
وصاح
= آن الأوان لهذه المهزلة بأن تنتهي للأبد
وأسرع بإعفاء المربية من رعاية بسمة وأنهى خدمتها وأمرها بالرحيل على الفور
وحمل الطفلة ودخل غرفة نوم نسيان
التي كانت تغط في نوم عميق وكأنها ميتة وبشكل عشوائي
.....ووضع الطفلة بجانبها وصرخ فجأة مما جعلها تهب فزعا
= انهضي يا صاحبة الفخامة أنهضي
.... وأمسك مازن ذراعها بقسوة وسحبها تجاه المرآة مستهزئا من هيئتها
= انظري لنفسك جيدا هل هذه امرأة تصلح بأن تكون زوجة أو أما ؟
اصبحتِ قبيحة مهملة مستهترة
وجز على أسنانه مهددا وبريق الغضب يتراقص في عينيه
=اسمعيني جيدا لن ادع ابنتي تتربى على يدي امرأة غريبة وأمها على قيد الحياة عندما تموتين سوف افعل ذلك بعد دفنك
صرخت نسيان بصوت خشن مبحوح بعدما حدقت بوجه زوجها فترة
= حسنا سوف اموت الآن لتفعل ذلك
وأسرعت تجاه النافذة وسحبت ستائرها وفتحتها وكادت تلقي بنفسها لولا ان اسرع مازن
ومنعها وهو فزعا مما فعلته وبلا شعور منه صفعها صفعة اوقعتها أرضا
وتعالى في ارجاء الغرفة نحيبها ..... مختلطا ببكاء طفلتهما
ومرت ساعتين كان الوضع مؤلما لكل من في البيت ...
وبعدما انتظر الزوج الذي تحولت حياته جحيما لايطاق حتى تهدأ الأمور
قرر مواجهة زوجته فابنته اكملت ستة اشهر وهي بعيدة عن حضن أمها .....
= لاأصدق أبداً أن هذه نسيان ..
تلك المرأة الفاتنة التي تملك حنان العالم في قلبها
المرأة الأنيقة التي تهتم بمظهرها وبيتها .....أتذكرين بسمة؟ كيف كنت تخشين عليها ؟
كان من المفترض ان تحمدين الله تعالى
أن رزقنا وعوضنا عن ابنتنا التي فقدناها بعد ما اكملت عامها الرابع
وسبب رحيلها عذابا دام سنتين لم نفق منه إلا بعد سماعنا بنبأ حملك
ألم تكوني مسرورة حينما حملتي وقلتي بنفسك ان الله عوضنا خيرا؟
ألم تكوني متلهفة على الانجاب وهاهو حدث ما اردتِ وسبحان الله انجبنا بسمة أخرى
ما الذي حدث يوم أن رأيتها ؟ ما الذي غيرك بهذه الصورة البشعة
ولكنها صمتت ولم تحرك ساكنا ولم تكلف على نفسها حتى عنان الالتفات لطفلتها...
غضب مازن من عدم مبالاتها وأخذ يتوعد ويهدد حتى أخرسته
المفاجأة حينما قامت نسيان صارخة بعينين جاحظة وصوت مبحوح في وجهه
= إنها شيطان...شيطان عادت لتنتقم ...
تنتقم .... أفهمت عادت لتنتقم ..تنتقم مني
وأسرعت وحملت الطفلة بيدين مرتعشة وقربتها أمام عيني مازن
الذي وقف مصدوما مما يرى أمامه
قبل ان ألدها أتتني في الحلم هددتني وتوعدت بأنها ستعود
مرة أخرى وتنتقم مني أتعلم لما ؟
لأنني قتلتها بيدي هاتين قتلتهاأفهمت ؟
بيدي هاتين....
بسمة لم تقع من النافذة بل انا التي رميتهابيدي هاتين
وها هي عادت لتنتقم مني
أمسك...أمسك
أخذ مازن الطفلة وهو في قمة ذهوله ينظر لنسيان
التي وضعت الطفلة بين ذراعيه بقرف شديد
وجرت تجاه تسريحتها وأخرجت مجموعة من صورابنتهم بسمة المتوفاة
بيدين مرتعشة ودموع منهمرة وعينان جاحظة
وصرخت
لقد قمت بتصويرها بعدما وقعت انظر جيدا انظر
انها غارقة في دمائها انظر لعينيها انها تتوعدني انظر
وأشارت للطفلة الذي تعالى بكائها
هذه ليست بسمة هذه شيطانها صدقني ....
ثم وضعت يديها على اذنيها
أخرسها...........
لا أريد سماع صوتها أخرسها إنها تتوعدني بالقتل
وجرت نسيان خارج الغرفة
حاول ان يلحق بها مازن ولكن الصدمة شلته فبقي
في مكانه ووضع الطفلة على السرير وأخذ الصور يتأملها
والذهول قد أخذ منه كل مأخذ
كانت صورا تذكارية للعائلة!
.....................................
من جهة أخرى
كانت السيدة نهال شاردة الذهن حينما دخلت
ابنتها أمل التي لمحت سرحان والدتها وهي
تصلح مسبحتها التي فرطت منها اثناء التسبيح
اقتربت بقلب حاني وهتفت
= مالي أرى القمر اليوم حزينا
ردت الأم بعد تنهيده
= أختك نسيان منذ فترة طويلة لا نسمع عنها خبرا
أشعر أنها ليست بخير منذ يوم وضعها وما حدث ذلك اليوم وهي لم تكلمني سوى ثلاث مرات ولم يتعدى حديثها السلام والاطمئنان
ردت أمل
=ومن السبب يا أمي ؟
أليس زوجها ؟
هومن نقل عمله إلى مدينة أخرى كي يبعدها عنا
تحكمه وفرض رأيه وعليها السمع والطاعة على الدوام حتى لغى شخصيتها كليا وهذا أثر على نفسيتها بشكل كبير
خاصة بعدما فقد ابنتها التي توفيتأمام عينيها ؟
هي كانت بحاجة لأن تبقى بجانبنا ولكن انانية مازن
جعلته لايفكر بأمر هام كهذا
= لا تظلميه يا أمل صحيح مازن عصبي المزاج قليلا ولكنه طيب القلب وغير مقصر مع أختك الحمد لله على كل حال
نسيان ليست على ما يرام يا أمل ليته وافق على بقائها لدينا حتى تنتهي أيام النفاس
ردت أمل بضيق
=ها أنت مازلت تدافعين عنهبالرغم من كونك تعلمين انه يسيء معاملتها ..
.......
كانت الساعة السادسة مساء حينما على رنين هاتف الدكتور
ناصر أخصائي الأمراض النفسية في عيادته الخاصة
وهو منهمكا في ترتيب اوراق ملف احد المرضى
لديه وابتسم حينما رأى رقم صديقه المقرب فرفع وقال مباشرة
= وأخيرا ظهر رقم هاتفك ياقاطع الود
كان صوت مازن باعثا للقلق حين هتف بصوت مليء باليأس
= ناصر أريد أن ازورك فورا هل لديك زبون ؟
ضحك الدكتور ناصر وقال مداعبا
زبون ؟ هل تظن عيادتي دكان حلاقة ؟ زبون هذه
عندك في معارضك هنا يسمونهم مرضى يافاضل
وأطلق ضحكة خفيفة وهتف بود
=حسنا تعال انتظرك ولكن اسرع قبل ان اغير رأيي
ومرت ساعة كان مازن يجلس امام ناصر في وضع
يبعث عن الشفقة
وبعد ان سرد قصته مع نسيان بالتفصيل
استطرد قائلا
= المصيبة ان وقت سقوط بسمة من النافذة كنت معها
في نفس الغرفة الكارثة وقعت في لمح البصر اغفلتنا البنت
وصعدت على الاريكة التي تحت النافذة ولم ننتبه لها
لم نستطع انقاذها
كانت نسيان بجوار الخزانة بعيدة تماما عنها
فجأة هب الدكتور ناصر واقفا وقد راودته فكرةمرعبة
صاح بفزع
= اين الطفلة ؟مع من هي الآن ؟
رد مازن ..
=حاليامع الخدم امها رافضة كليا الاعتناء بها
صرخ الدكتوروهو يخلع سترته البيضاءبصبر نافذ
- أتستطيع زوجتك الوصول اليها اقصد تلمسها تحملها
شيء من هذا القبيل
رد مازن وهو يحملق في ناصر بعد ان بلع ريقه في قلق
= نعم بكل تأكيد وفي أي وقت
رد ناصر
= قم بسرعة على بيتك وسوف الحقك بسيارتي هيا
بسرعة
وحمل الطبيب حقيبته الطبية
سئل مازن بقلق شديد.
= لما اجبني ؟
=لن اخبرك الآن لا وقت لدينا الحق ابنتك وزوجتك
أسرع مازن وقد تملكه الخوف وفي أثناء الطريق
في بيته كانت هناك احداث كثيرة تحدث
في البيت
اتصلت الخادمة وقالت
بصوت يملئه الفزع وببكاء متقطع
= سيدي انجدني ارجوك عد فورا هناك كارثة كارثة ...
...........................
سيدتي أخذت بسمة معهافي غرفتها وأغلقت الباب بالمفتاح
تحدثها بصوت مرتفع وبسمة تصرخ بشدةحتى تقطعت انفاسها أسرع ارجوك
كاد يفقد مازن عقله اغلق الخط وزاد من سرعة السيارة كالمجنون
في نفس اللحظة في البيت
كان الخدم يحاولون كسر الباب وصراخ نسيان كل مرة يزداد
وهي تصيح
= هيا اقفزي من الآن اقفزي من النافذة ....
أرأيتِ انتِ شيطانة؟
لا تريد الموت تريد فقط ان تؤذي من حولها ولكني سأريح العالم من شرك ..
لن ادعك تقضين على حياتي .
وسوف اعيش رغما عنك أيتها الشيطانة
وأسرعت نسيان بإحضار شفرة الحلاقة من حمام الجناح ثم وقفت تراقبها بعينين جاحظة وهي تبتسم بشفتين مرتعشتين
ودموعها المنهمرة على وجنتيها الشاحبة
وبدأت الدماء تسيل على الأرض
حتى امتلأ البلاط وقدماها الحافيتين بالدم
وتوقف بكاء الطفلة .....
ونداء واستجداء الخدم توقف ايضا حينما حضر مازن
وظل يدفع الباب بكل قوته حتى كسر
ووقف الجميع مصدوما
وعلا صراخ الخادمة من هول المشهد
في ذات اللحظة التي وصل الطبيب ناصر وتسمر في مكانه
كانت تقف نسيان وكأنها مغيبة في عالم آخر بعينين ساهمة
ووجة جامد صامتة ودموعها تتساقط وبيديها شفرة حادة
اقترب مازن وركع على ركبتيه أمام نسيان منهارا
يبكي بحرقة شديد وبصوت مبحوح وقد رفع عينيه تجاهها
=لما فعلتِ هكذا ؟
رددت بصوت متقطع
كانت ت تريد ق قتلي ...لأنها شيطا شيطانة..
سئل والفزع في عينيه
= أين ابنتي اين ابنتي .....؟
ركعت بجواره وهي تشهق بالبكاء تشير إلى الحمام بصمت
قام يجري والأمل يرسم نوره في كل خطوة يخطوها و ناصر خلفه
دخل الاثنين ومازن وجد ابنته في حوض الاستحمام تنام
مطمئنة على فرشة وضعتها نسيان تحتها
تنفس ناصر وخالد الصعداء في ذات اللحظة التي
هتفت فيها الخادمة لمازن وهي تبكي
= لقد أخذتها مني فجأة وأخبرتني أنها ستقوم
بتحميمها بنفسها وأمرتني
بجلب المناشف وملابسها من غرفتها وحينما خرجت اسرعت وأغلقت الباب خلفي بالمفتاح كان هناك صمتا فترة طويلة
بعدها أخذت تصرخ على بسمة التي تعالى بكائها بشكل مخيف فاتصلت بك فورا
حمل مازن بسمة واحتضنها ودموعه بللت وجنتيها الصغيرتين
وأسرع الخدم بإزالة قطة المنزل ومسح دمائها
لقد ظنتها نسيان
حينما ظهرت لها من تحت الاريكة
شيطان بسمة المتوفاة فأحضرت شفرة و قطعت اسفل رقبتها وهي غير مدركة لما تفعله ....
البقية قريبا .......