كلمة الإدارة |
الإهداءات | |
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
07-02-2017, 09:31 AM | #51 |
عمدة الحاره
|
تابع – سورة البقرة
ومن ثم كان هذا التهديد المخيف لمن يعجزون عن هذا التحدي ثم لا يؤمنون بالحق الواضح: (فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين). . ففيم هذا الجمع بين الناس والحجارة , في هذه الصورة المفزعة الرعيبة ? لقد أعدت هذه النار للكافرين . الكافرين الذين سبق في أول السورة وصفهم بأنهم (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم , وعلى أبصارهم غشاوة). . والذين يتحداهم القرآن هنا فيعجزون , ثم لا يستجيبون . . فهم إذن حجارة من الحجارة ! وإن تبدوا في صورة آدمية من الوجهة الشكلية ! فهذا الجمع بين الحجارة من الحجر والحجارة من الناس هو الأمر المنتظر ! على أن ذكر الحجارة هنا يوحي إلى النفس بسمة أخرى في المشهد المفزع:مشهد النار التي تأكل الأحجار . ومشهد الناس الذين تزحمهم هذه الأحجار . . في النار . . ( يتبع ) |
|
07-02-2017, 09:31 AM | #52 |
عمدة الحاره
|
وهي ألوان من النعيم يستوقف النظر منها - إلى جانب الأزواج المطهرة - تلك الثمار المتشابهة , التي يخيل إليهم أنهم رزقوها من قبل - أما ثمار الدنيا التي تشبهها بالاسم أو الشكل , وأما ثمار الجنة التي رزقوها من قبل - فربما كان في هذا التشابه الظاهري والتنوع الداخلي مزية المفاجأة في كل مرة . . وهي ترسم جوا من الدعابة الحلوة , والرضى السابغ , والتفكه الجميل , بتقديم المفاجأة بعد المفاجأة , وفي كل مرة ينكشف التشابه الظاهري عن شيء جديد !
وهذا التشابه في الشكل , والتنوع في المزية , سمة واضحة في صنعة الباريء تعالى , تجعل الوجود أكبر في حقيقته من مظهره . ولنأخذ الإنسان وحده نموذجا كاشفا لهذه الحقيقة الكبيرة . . الناس كلهم ناس , من ناحية قاعدة التكوين:رأس وجسم وأطراف . لحم ودم وعظام وأعصاب . عينان وأذنان وفم ولسان . خلايا حية من نوع الخلايا الحية . تركيب متشابه في الشكل والمادة . . ولكن أين غاية المدى في السمات والشيات ? ثم أين غاية المدى في الطباع والاستعدادات ? إن فارق ما بين إنسان وإنسان - على هذا التشابه - ليبلغ أحيانا أبعد مما بين الأرض والسماء ! وهكذا يبدو التنوع في صنعة الباريء هائلا يدير الرؤوس:التنوع في الأنواع والأجناس , والتنوع في الأشكال والسمات , والتنوع في المزايا والصفات . . وكله . . كله مرده إلى الخلية الواحدة المتشابهة التكوين والتركيب . فمن ذا الذي لا يعبد الله وحده , وهذه آثار صنعته , وآيات قدرته ? ومن ذا الذي يجعل لله اندادا , ويد الإعجاز واضحة الآثار , فيما تراه الأبصار , وفيما لا تدركه الأبصار ? ( يتبع ) |
|
07-02-2017, 09:31 AM | #53 |
عمدة الحاره
|
تابع – سورة البقرة
اختلاف أثر الأمثال القرآنية على المؤمنين والكافرين بعد ذلك يجيء الحديث عن الأمثال التي يضربها الله في القرآن: (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما , بعوضة فما فوقها , فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم , وأما الذين كفروا فيقولون:ماذا أراد الله بهذا مثلا ? يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا , وما يضل به إلا الفاسقين . الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه , ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل , ويفسدون في الأرض . . أولئك هم الخاسرون). . وهذه الآيات تشي بأن المنافقين الذين ضرب الله لهم مثل الذي استوقد نارا ومثل الصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق - وربما كان اليهود كذلك والمشركون - قد اتخذوا من ورود هذه الأمثال في هذه المناسبة , ومن وجود أمثال أخرى في القرآن المكي الذي سبق نزوله وكان يتلى في المدينة , كالذي ضربه الله مثلا للذين كفروا بربهم (كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون). . وكالذي ضربه الله مثلا لعجز آلهتهم المدعاة عن خلق الذباب: (إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه . ضعف الطالب والمطلوب). . نقول:إن هذه الآيات تشي بأن المنافقين - وربما كان اليهود والمشركون - قد وجدوا في هذه المناسبة منفذا للتشكيك في صدق الوحي بهذا القرآن , بحجة أن ضرب الأمثال هكذا بما فيها من تصغير لهم وسخرية منهم لا تصدر عن الله , وأن الله لا يذكر هذه الأشياء الصغيرة كالذباب والعنكبوت في كلامه ! . . وكان هذا طرفا من حملة التشكيك والبلبلة التي يقوم بها المنافقون واليهود في المدينة , كما كان يقوم بها المشركون في مكة . فجاءت هذه الآيات دفعا لهذا الدس , وبيانا لحكمة الله في ضرب الأمثال , وتحذيرا لغير المؤمنين من عاقبة الاستدراج بها , وتطمينا للمؤمنين أن ستزيدهم إيمانا . ( يتبع ) |
|
07-02-2017, 09:32 AM | #54 |
عمدة الحاره
|
تابع – سورة البقرة
(إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما , بعوضة فما فوقها). . فالله رب الصغير والكبير , وخالق البعوضة والفيل , والمعجزة في البعوضة هي ذاتها المعجزة في الفيل . إنها معجزة الحياة . معجزة السر المغلق الذي لا يعلمه إلا الله . . على أن العبرة في المثل ليست في الحجم والشكل , إنما الأمثال أدوات للتنوير والتبصير . وليس في ضرب الأمثال ما يعاب وما من شأنه الاستحياء من ذكره . والله - جلت حكمته - يريد بها اختبار القلوب , وامتحان النفوس: (فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم). . ذلك أن إيمانهم بالله يجعلهم يتلقون كل ما يصدر عنه بما يليق بجلاله ; وبما يعرفون من حكمته . وقد وهبهم الإيمان نورا في قلوبهم , وحساسية في أرواحهم , وتفتحا في مداركهم , واتصالا بالحكمة الإلهية في كل أمر وفي كل قول يجيئهم من عند الله . ( يتبع ) |
|
07-02-2017, 09:32 AM | #55 |
عمدة الحاره
|
تابع – سورة البقرة
(وأما الذين كفروا فيقولون:ماذا أراد الله بهذا مثلا ?). . وهو سؤال المحجوب عن نور الله وحكمته , المقطوع الصلة بسنة الله وتدبيره . ثم هو سؤال من لا يرجو للهوقارا , ولا يتأدب معه الأدب اللائق بالعبد أمام تصرفات الرب . يقولونها في جهل وقصور في صيغة الاعتراض والاستنكار , أو في صورة التشكيك في صدور مثل هذا القول عن الله ! هنا يجيئهم الجواب في صورة التهديد والتحذير بما وراء المثل من تقدير وتدبير: (يضل به كثيرا , ويهدي به كثيرا , وما يضل به إلا الفاسقين). . والله - سبحانه - يطلق الابتلاءات والامتحانات تمضي في طريقها , ويتلقاها عباده , كل وفق طبيعته واستعداده , وكل حسب طريقه ومنهجه الذي اتخذه لنفسه . والابتلاء واحد . . ولكن آثاره في النفوس تختلف بحسب اختلاف المنهج والطريق . . الشدة تسلط على شتى النفوس , فأما المؤمن الواثق بالله وحكمته ورحمته فتزيده الشدة التجاء إلى الله وتضرعا وخشية . وأما الفاسق أو المنافق فتزلزله وتزيده من الله بعدا , وتخرجه من الصف إخراجا . والرخاء يسلط على شتى النفوس , فأما المؤمن التقي فيزيد الرخاء يقظة وحساسية وشكرا . وأما الفاسق أو المنافق فتبطره النعمة ويتلفه الرخاء ويضله الابتلاء . . وهكذا المثل الذي يضربه الله للناس . . (يضل به كثيرا). . ممن لا يحسنون استقبال ما يجيئهم من الله , (ويهدي به كثيرا)ممن يدركون حكمة الله . (وما يضل به إلا الفاسقين). . الذين فسقت قلوبهم من قبل وخرجت عن الهدى والحق , فجزاؤهم زيادتهم مما هم فيه ! ( يتبع ) |
|
07-02-2017, 09:32 AM | #56 |
عمدة الحاره
|
تابع – سورة البقرة
ويفصل السياق صفة الفاسقين هؤلاء , كما فصل في أول السورة صفة المتقين ; فالمجال ما يزال - في السورة - هو مجال الحديث عن تلك الطوائف , التي تتمثل فيها البشرية في شتى العصور: (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه , ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل , ويفسدون في الأرض . أولئك هم الخاسرون). . فأي عهد من عهود الله هو الذي ينقضون ? وأي أمر مما أمر الله به أن يوصل هو الذي يقطعون ? وأي لون من الفساد في الأرض هو الذي يفسدون ? لقد جاء السياق هنا بهذا الإجمال لأن المجال مجال تشخيص طبيعة , وتصوير نماذج , لا مجال تسجيل حادثة , أو تفصيل واقعة . . إن الصورة هنا هي المطلوبة في عمومها . فكل عهد بين الله وبين هذا النموذج من الخلق فهو منقوض ; وكل ما أمر الله به أن يوصل فهو بينهم مقطوع ; وكل فساد في الأرض فهو منهم مصنوع . . إن صلة هذا النمط من البشر بالله مقطوعة , وإن فطرتهم المنحرفة لا تستقيم على عهد ولا تستمسك بعروة ولا تتورع عن فساد . إنهم كالثمرة الفجة التي انفصلت من شجرة الحياة , فتعفنت وفسدت ونبذتها الحياة . . ومن ثم يكون ضلالهم بالمثل الذي يهدي المؤمنين ; وتجيء غوايتهم بالسبب الذي يهتدي به المتقون . وننظر في الآثار الهدامة لهذا النمط من البشر الذي كانت الدعوة تواجهه في المدينة في صورة اليهود والمنافقين والمشركين ; والذي ظلت تواجهه وما تزال تواجهه اليوم في الأرض مع اختلاف سطحي في الأسماء والعنوانات ! ( يتبع ) |
|
07-02-2017, 09:32 AM | #57 |
عمدة الحاره
|
تابع – سورة البقرة
(الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه). . وعهد الله المعقود مع البشر يتمثل في عهود كثيرة:إنه عهد الفطرة المركوز في طبيعة كل حي . . أن يعرف خالقه , وأن يتجه إليه بالعبادة . وما تزال في الفطرة هذه الجوعة للاعتقاد بالله , ولكنها تضل وتنحرف فتتخذ من دون الله أندادا وشركاء . . وهو عهد الاستخلاف في الأرض الذي أخذه الله على آدم - كما سيجيء -: (فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون . والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون). . وهو عهوده الكثيرة في الرسالات لكل قوم أن يعبدوا الله وحده , وأن يحكموا في حياتهم منهجه وشريعته . . وهذه العهود كلها هي التي ينقضها الفاسقون . وإذا نقض عهد الله من بعد ميثاقه , فكل عهد دون الله منقوض . فالذي يجرؤ على عهد الله لا يحترم بعده عهدا من العهود . (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل). . والله أمر بصلات كثيرة . . أمر بصلة الرحم والقربى . وأمر بصلة الإنسانية الكبرى . وأمر قبل هذا كله بصلة العقيدة والأخوة الإيمانية , التي لا تقوم صلة ولا وشيجة إلا معها . . وإذا قطع ما أمر الله به أن يوصل فقد تفككت العرى , وانحلت الروابط , ووقع الفساد في الأرض , وعمت الفوضي . (ويفسدون في الأرض). . والفساد في الأرض ألوان شتى , تنبع كلها من الفسوق عن كلمة الله , ونقض عهد الله , وقطع ما أمر الله به أن يوصل . ورأس الفساد في الأرض هو الحيدة عن منهجه الذي اختاره ليحكم حياة البشر ويصرفها . هذا مفرق الطريق الذي ينتهي إلى الفساد حتما , فما يمكن أن يصلح أمر هذه الأرض , ومنهج الله بعيد عن تصريفها , وشريعة الله مقصاة عن حياتها . وإذا انقطعت العروة بين الناس وربهم على هذا النحو فهو الفساد الشامل للنفوس والأحوال , وللحياة والمعاش ; وللأرض كلها وما عليها من ناس وأشياء . إنه الهدم والشر والفساد حصيلة الفسوق عن طريق الله . . ومن ثم يستحق أهله أن يضلهم الله بما يهدي به عباده المؤمنين . ( يتبع ) |
|
07-02-2017, 09:32 AM | #58 |
عمدة الحاره
|
تابع – سورة البقرة
استنكار كفر الكفار بالله وعند هذا البيان الكاشف لآثار الكفر والفسوق في الأرض كلها يتوجه إلى الناس باستنكار كفرهم بالله المحيي المميت الخالق الرازق المدبر العليم: (كيف تكفرون بالله , وكنتم أمواتا فأحياكم , ثم يميتكم , ثم يحييكم , ثم إليه ترجعون ? هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ; ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم). . والكفر بالله في مواجهة هذه الدلائل والآلاء كفر قبيح بشع , مجرد من كل حجة أو سند . . والقرآن يواجه البشر بما لا بد لهم من مواجهته , والاعتراف به , والتسليم بمقتضياته . يواجههم بموكب حياتهم وأطوار وجودهم . لقد كانوا أمواتا فأحياهم . كانوا في حالة موت فنقلهم منها إلى حالة حياة ولا مفر من مواجهة هذه الحقيقة التي لا تفسير لها إلا بالقدرة الخالقة . إنهم أحياء , فيهم حياة . فمن الذي أنشأ لهم هذه الحياة ? من الذي أوجد هذه الظاهرة الجديدة الزائدة على ما في الأرض من جماد ميت ? إن طبيعة الحياة شيء آخر غير طبيعة الموت المحيط بها في الجمادات . فمن أين جاءت ? إنه لا جدوى من الهروب من مواجهة هذا السؤال الذي يلح على العقل والنفس ; ولا سبيل كذلك لتعليل مجيئها بغير قدرة خالقة ذات طبيعة أخرى غير طبيعة المخلوقات . من أين جاءت هذه الحياة التي تسلك في الأرض سلوكا آخر متميزا عن كل ما عداها من الموات ? . . لقد جاءت من عند الله . . هذا هو أقرب جواب . . وإلا فليقل من لا يريد التسليم:أين هو الجواب ! ( يتبع ) |
|
07-02-2017, 09:32 AM | #59 |
عمدة الحاره
|
تابع – سورة البقرة
وهذه الحقيقة هي التي يواجه بها السياق الناس في هذا المقام: (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ?). . كنتم أمواتا من هذا الموات الشائع من حولكم في الأرض فأنشا فيكم الحياة(فأحياكم). . فكيف يكفر بالله من تلقى منه الحياة ? (ثم يميتكم). . ولعل هذه لا تلقى مراء ولا جدلا , فهي الحقيقة التي تواجه الأحياء في كل لحظة , وتفرض نفسها عليهم فرضا , ولا تقبل المراء فيها ولا الجدال . (ثم يحييكم). . وهذه كانوا يمارون فيها ويجادلون ; كما يماري فيها اليوم ويجادل بعض المطموسين , المنتكسين إلى تلك الجاهلية الأولى قبل قرون كثيرة . وهي حين يتدبرون النشأة الأولى , لا تدعو إلى العجب , ولا تدعو إلى التكذيب . (ثم إليه ترجعون). . كما بدأكم تعودون , وكما ذرأكم في الأرض تحشرون , وكما انطلقتم بإرادته من عالم الموت إلى عالم الحياة , ترجعون إليه ليمضي فيكم حكمه ويقضي فيكم قضاءه . . وهكذا في آية واحدة قصيرة يفتح سجل الحياة كلها ويطوى , وتعرض في ومضة صورة البشرية في قبضة الباريء:ينشرها من همود الموت أول مرة , ثم يقبضها بيد الموت في الأولى , ثم يحييها كرة أخرى , وإليه مرجعها في الآخرة , كما كانت منه نشأتها في الأولى . . وفي هذا الاستعراض السريع يرتسم ظل القدرة القادرة , ويلقي في الحس إيحاءاته المؤثرة العميقة . ( يتبع ) |
|
07-02-2017, 09:33 AM | #60 |
عمدة الحاره
|
تابع – سورة البقرة
ثم يعقب السياق بومضة أخرى مكملة للومضة الأولى: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ; ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات ; وهو بكل شيء عليم). . ويكثر المفسرون والمتكلمون هنا من الكلام عن خلق الأرض والسماء , يتحدثون عن القبلية والبعدية . ويتحدثون عن الاستواء والتسوية . . وينسون أن "قبل وبعد" اصطلاحان بشريان لا مدلول لهما بالقياس إلى الله تعالى ; وينسون أن الاستواء والتسوية اصطلاحان لغويان يقربان إلى التصور البشري المحدود صورة غير المحدود . . ولا يزيدان . . وما كان الجدل الكلامي الذي ثار بين علماء المسلمين حول هذه التعبيرات القرآنية , إلا آفة من آفات الفلسفة الإغريقية والمباحث اللاهوتية عند اليهود والنصارى , عند مخالطتها للعقلية العربية الصافية , وللعقلية الإسلامية الناصعة . . وما كان لنا نحن اليوم أن نقع في هذه الآفة , فنفسد جمال العقيدة وجمال القرآن بقضايا علم الكلام !! فلنخلص إذن إلى ما وراء هذه التعبيرات من حقائق موحية عن خلق ما في الأرض جميعا للإنسان , ودلالة هذه الحقيقة على غاية الوجود الإنساني , وعلى دوره العظيم في الأرض , وعلى قيمته في ميزان الله , وما وراء هذا كله من تقرير قيمة الإنسان في التصور الإسلامي ; وفي نظام المجتمع الإسلامي . . (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا). . إن كلمة(لكم)هنا ذات مدلول عميق وذات إيحاء كذلك عميق . إنها قاطعة في أن الله خلق هذا الإنسان لأمر عظيم . خلقه ليكون مستخلفا في الأرض , مالكا لما فيها , فاعلا مؤثرا فيها . إنه الكائن الأعلى في هذا الملك العريض ; والسيد الأول في هذا الميراث الواسع . ودوره في الأرض إذن وفي أحداثها وتطوراتها هو الدور الأول ; إنه سيد الأرض وسيد الآلة ! إنه ليس عبدا للآلة كما هو في العالم المادي اليوم . وليس تابعا للتطورات التي تحدثها الآلة في علاقات البشر وأوضاعهم كما يدعي أنصار المادية المطموسون , الذين يحقرون دور الإنسان ووضعه , فيجعلونه تابعا للآلة الصماء وهو السيد الكريم ! وكل قيمة من القيم المادية لا يجوز أن تطغى على قيمة الإنسان , ولا أن تستذله أو تخضعه أو تستعلي عليه ; وكل هدف ينطوي على تصغير قيمة الإنسان , مهما يحقق من مزايا مادية , هو هدف مخالف لغاية الوجود الإنساني . فكرامة الإنسان أولا , واستعلاء الإنسان أولا , ثم تجيء القيم المادية تابعة مسخرة . والنعمة التي يمتن الله بها على الناس هنا - وهو يستنكر كفرهم به - ليست مجرد الإنعام عليهم بما في الأرض جميعا , ولكنها - إلى ذلك - سيادتهم على ما في الأرض جميعا , ومنحهم قيمة أعلى من قيم الماديات التي تحويها الأرض جميعا . هي نعمة الاستخلاف والتكريم فوق نعمة الملك والانتفاع العظيم . ( يتبع ) |
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
التعريف, الصور, النزول, القرآن, الكريم, بسور, ومحاور, وأسباب, ومقاصد |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 22 ( الأعضاء 0 والزوار 22) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
«الدوخة».. عارض مزعج وأسباب مجهولة | رويم | زادك و صحتك | 5 | 02-20-2020 03:55 PM |
عملية حسابية لمعرفة رقم الصفحة في القرآن الكريم | إعجـــاز | خشوع وسكينة / إسلاميات الأمل | 6 | 01-02-2020 03:39 AM |
سجل حضورك بسوره من سور القرآن الكريم | فرح | خشوع وسكينة / إسلاميات الأمل | 54 | 01-01-2020 04:28 AM |
نساء لم يذكر القرآن الكريم أسمائهن | أميرة الاحساس | خشوع وسكينة / إسلاميات الأمل | 13 | 01-01-2020 02:21 AM |
الارهاب فى القرآن الكريم .. بقلمى | حسن سعد | خشوع وسكينة / إسلاميات الأمل | 9 | 04-12-2018 01:56 PM |