نار جهنم أشد حرا، فهلا أخذ الظالمون عبرة /خالد ابو شادى
﴿وقالوا لاتنفروا في الحر﴾ يعتذرون بالأحوال الجوية للتقاعس عن الواجبات الشرعية مع قدرتهم، والحقيقة أنهم مرضت قلوبهم فثقلت أبدانهم عن الطاعة! د. /عمر المقبل
(يتذمرون من الحرّ .. ولم يظهر منه شئ.،؛) ونسوا قول الله تعالى :
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صل الله عليه وسلم- قال: “يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعاً ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم“.
وأخرج البخاري أيضاً عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صل الله عليه وسلم- قال: “أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون مم ذلك؟ يجمع الله الناس الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون..” حديث الشفاعة.
وعند مسلم عن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم-- يقول: “تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق؛ فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً” قال: وأشار رسول الله صل الله عليه وسلم- بيده إلى فيه.
أيها الإخوة:
لأجل أن تدركوا بعض الحقيقة في تلك الأحاديث تصوروا حال رجل حافي القدمين حاسر الرأس، وفي منتصف الظهيرة في مثل هذه الأيام الحارة والشمس المحرقة ترسل سهامها فوق رأسه والعرق يتصبب من جبينه ومن جميع جسده، يكاد حر الشمس أن يحرق وجهه، يشعر وكأنه في مرجل يغلي، ولفحات السموم تصفعه بلذعاتها؛ أي شعور يحمله هذا الرجل؟! أهو مستريح مطمئن البال أم هو منشغل بنفسه منزعج من حاله يبحث عن المخرج من هذه الحال؟!
أيها الأخوة المؤمنون:
إنّ شدة الحرّ ينبغي أن تذكر المؤمن بحر ذلك اليوم، وإن لفح الهجير وأشعة الشمس الملتهبة ينبغي أن تذكر المؤمن بحر جهنم وتبعث فيه الخوف من الله سبحانه؛ جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله صل الله عليه وسلم- قال: “اشتكت النار إلى ربها فقالت: رب، أكل بعضي بعضا، فأذن لي أتنفّس، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فما وجدتم من برد أو زمهرير فمن نفس جهنم، وما وجدتم من حر أو حرور فمن نفس جهنم“.
نسيت لظى عند ارتكابك للهوى *** وأنت توقى حر شمس الهـواجر
كأنك لم تدفن حميما ولم تكـن *** له في سياق الموت يوما بحاضر
فيا من لا يطيق حرارة الجو، يا من لا يتحمّل الوقوف في الشمس ساعة: كيف تعصي الله وتنسى النار وحرَّها الشديد، وقعرها البعيد، جاء في الحديث: “إن أنعم أهل الأرض من أهل الدنيا يؤتى به يوم القيامة، فيُغمس في النار غمسة، فيقال: هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مرَّ بي نعيم قط“؛ (رواه مسلم).
حرارة الجو قد تكون سبيلاً لتحصيل المزيد من الأجر والحسنات، في خروج للصلاة في هذا الشمس الملتهبة، وفي صيام في هذا الحر اللافح.
خرج ابن عمر في سفر معه أصحابه، فوضعوا سفرة لهم، فمر بهم راع، فدعوه إلى أن يأكل معهم، فقال: إني صائم، فقال ابن عمر: في مثل هذا اليوم الشديد حره وأنت بين هذه الشعاب في آثار هذه الغنم وأنت صائم؟! فقال: أبادر أيامي هذه الخالية.
ويقول أبو الدرداء موصياً أحبابه: “صوموا يوماً شديداً حره لحر يوم النشور، وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور“.
خرج النبي صل الله عليه وسلم- إلى غزوة تبوك وكانت في حر شديد، فتواصى المنافقون فيما بينهم بعدم النفير في هذا الحر، فجاء الوعيد من الله (وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) [التوبة:81].