#1
|
|||||||||||||
|
|||||||||||||
علاقتي بأهلي وتطوير ذاتي
في الحقيقة كلُّنا نتوقُ إلى ذلك ونحبُّه, إلا أنَّ هذا التقديرَ وتلك المكانة لا بدَّ أن تكونَ مُتبادلة؛ فليس من المنطقِ في شيءٍ أن يحترمَنا الناسُ وألا يجدوا مثلَ ذلك منَّا, وليس من العقلِ أن يقدِّرونا دون أن نستحقَّ ذلك التقدير فعلًا!
على كل حالٍ, سننظر معًا فيما تفضَّلتِ بطرْحِه، بنوعٍ من التفصيل: أولًا: سوء مُعاملة الأهل, والعجز عن احتمال الناس. ثانيًا: المعلومات, الثقافة, حسن التصرُّف, اللباقة... مقوِّمات الشخصية الجذَّابة. ثالثًا: تنظيم الوقت بين الدراسة والابن ورعاية البيت. أولًا: العجزُ عن احتمالِ الأذى من الناسِ - سواء كانوا أصدقاء، أو أهلًا، أو غيرهم - لا يخوِّل لنا التعاملَ معهم بنفس الأسلوب, ولا يقودُنا ذلك إلا لحلقةٍ مُفرغة من التراشقِ بالكلام السيئ، والتداخل في دوَّامة من الغضب لا تنتهي؛ "اعلم أنك ستُبتَلى من أقوامٍ بسفهٍ, وأن سَفَهَ السفيهِ سيطلع لك منه حقدٌ, فإن عارضتَه أو كافأته بالسفه, فكأنك قد رضيتَ ما أتى به, فاجتنبْ أن تحتذيَ مثالَه، فإن كان ذلك عندك مذمومًا فحقِّق ذمَّك إيَّاه بتركِ معارضتِه، فأما أن تذمَّه وتمتثلَه؛ فليس ذلك لك"؛ (من مختارات المنفلوطي). والتعامل مع الناسِ لا يكونُ على مبدأ "أعطِ لتأخذ"، أو "هذه بتلك"! بل يكون بالصبر الوقور، والحلم الجميل، والعطاء المعتدل, ولا يكون ذلك كلُّه مع غير أهله إلا أتى بعكس غرضه، فلتتعلَّمي فنَّ ضبط النفس, وتتمرَّني على كظْمِ الغيظ, وتتذكَّري فضلَه وعظيم أجرِه عند الله, وقد تبيَّن لكِ - بما لا يدَع مجالًا للشك - أن الغضب عليهم والسفه بسفهم لا يجلب إلا المزيد مِن المتاعب، والكثير من الأكدار! لن يحترمَكِ الناس بكثرةِ غضبِكِ, ولن يثنوا عليكِ أو يَهَابُوكِ بالمجاهرة ورفع الصوت, ولن يوقِّروكِ بالتعنيف أو التوبيخ, كلُّ هذا لن يجعلَ لكِ مكانةً ساميةً، ولا درجةً عاليةً, بل سيُدنِي منزلتَكِ ويحقِّر مِن شأنكِ عندهم؛ فالناسُ - يا عزيزتي - تعرفُ كيف ترفع صوتَها مثلنا، وكيف يردُّون الإساءة بمثلها أو أشدَّ, وكيف يُعَادُون مَن يُعَادِيهم، ويسبون مَن يسبُّهم, كلُّ هذا لا يحتاج لتعلم أو تدرُّب! والعجيب أن البعض ما زال يظنُّ أن سُوء الخُلُق يُجبِر الناس على احترامِه، وبذاءة اللسان تَدفَعُهم إلى هَيْبته, وأقول لكِ ولكلِّ مَن يظن ذلك: اعكسْ تُصِبْ! حسنُ الخلق ليس ضعفًا, وجميل القول ليس هوانًا, وحلاوة اللسان ليستْ مداهنة, وإنما كلُّ إناءٍ بما فيه ينضحُ, فلا يحملنَّكِ البغضُ - أو حبُّ الانتقام - على الإساءة لمن أساء إليك، أو الاقتصاص ممن غمطكِ حقًّا, بل جاهدي نفسكِ، واستعيني بربكِ على ملك قلوبهم بحُسنِ الخلق، وجميلِ الصبر، والموازنةِ بين مسامحتهم وعدم التنازل عن حقِّك بما يهين نفسَكِ، أو ينقص قدرَكِ, وذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء. قد نغضبُ في لحظات ضعفٍ, لكن الفرق بين حَسَنِ الخلق وسيِّئه: أنَّ الأول يملكُ نفسَه حال غضبِه, فلا يقع في قبيحِ فعلٍ، ولا يصدر عنه ذميمُ قولٍ, وكل ذلك بتدريب النفس وتعويدِها ومجاهدتِها ليس إلا؛ قال حكيمٌ لابنه: "أَيْ بُنَيَّ، إذا أردتَ أن تؤاخِي رجلًا فأغضِبْه قبل ذلك، فإن أنصفَك عند غضبه فآخِه، وإلا فدَعْه". ثانيًا: للجاذبية مُقوِّمات, وللمحبَّة أسبابٌ, ولكسب قلوب الناس مقدِّمات وخطوات, وليس من السهل ذلك, وقد تجتمعُ أسباب المحبَّة كافَّة لرجلٍ، ثم لا نرى إلا بُغضَه يملأ قلوب العباد, وقد لا يجتمع في رجلٍ من أسبابِها إلا النَّزْر، ثم يجعلُ الله له قبولًا عند الناس, وكأن محبتَه قد زُرِعتْ في القلوب، ونحتت بين الضلوع! نرى مَن حاز الفنون وعَلَا اجتماعيًّا أو ماديًّا أو علميًّا, ولم يملك مِن قلوب العباد إلا كما يملكُ المرءُ من طَيْف حلمه! ونرى مَن اقتصر على اليسير مِن العلم والمال والحكمة، وقد احتلَّ المكانة العالية، والدرجةَ السامية في أفئدةِ الخَلْق, وذلك فضلُ الله يؤتيه مَن يشاء؛ فما مفتاحُ ذلك؟ وما الضابط الذي يكسبك هذه الأمنية ويحقِّقها؟ عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله إذا أحبَّ عبدًا دعا جبريل، فقال: إني أحبُّ فلانًا فأحبه، قال: فيحبُّه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحبُّ فلانًا فأحبُّوه، فيحبه أهل السماء, ثم يُوضَع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل، فيقول: إني أُبغِضُ فلانًا فأَبغِضه, فيُبغِضه جبريل، ثم يُنَادِي في أهل السماء: إن الله يُبغِض فلانًا فأَبغِضُوه، قال: فيُبغِضونه، ثم توضع له البَغْضَاء في الأرض))؛ رواه مسلم. فمتى رَضِي الله على عبدٍ وأحبَّه؛ أرضى عنه الصالحين مِن عباده، وجعل له المهابة والوقار والاحترام, ومتى سَخِط على عبدٍ؛ نَزَع محبته مِن قلوب الصالحين، وأكسبه المذلَّة والهوان, ولو اجتمعتْ له أسباب الثقافة، والمعرفة، والفضل، والمال، والوجاهة الاجتماعية، والمكانة العلمية. فاجعلي رضا الله غايتَكِ، وطاعتَه وجهَتَك، والْزَمي بابه، واجتهدي في تحصيل مَرضاته، والبُعد عن عِصْيانه, وسيفتح لكِ مِن أبواب الخير، ويسخِّر لكِ مِن قلوب العباد ما يَسعَى إليه الملوك، ويتمنَّاه السلاطين, ويحارب لأجله الأمراء؛ ومِن عجيب ما سمعتُ حول وَلَع الناس باستشعار الأهمية أو العظمة - كما يطلق عليها "فرويد" - أن إحدى ملكات "إنكلترا" كانتْ تأبَى أن تنزع غلاف أي خطاب لم يُعَنْون بـ"صاحبة الجلالة", وكان "كرستوفر كولومبوس" يتمنَّى ويسعى للحصول على لقب: "أدميرال المحيط، ونائب الهند", وكان "جورج واشنطن" يلقِّب نفسه بـ"فخامة الرئيس", والتاريخ ينضحُ بأمثلة رغبات الناس في استشعار أهميتهم, لكن هناك مَن تحقق له ذلك بصدقٍ, وهناك مَن وجد مَن يُدَاهِن لنَيْل مكانة، أو كسب مادي، أو غيرها من المصالح الدنيوية. وتلك الرغبةُ لا تعني بالضرورة خبثَ النفس، أو خسَّة رغباتها؛ وإنما هي فطرةٌ فطر الله عليها الناس، وميزهم عن غيرهم من الكائنات, وعلى حسب نية صاحبها تكون! وقد سأل نبيُّ الله إبراهيم - عليه السلام - ربه شيئًا من ذلك؛ فقال: ﴿ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ﴾ [الشعراء: 84]؛ قال المفسِّرون: "اجعلْ لي ثناءَ صدقٍ، مُستمرًّا إلى آخر الدهر؛ فاستجاب الله دعاءه، فوهب له مِن العلم والحكم، ما كان به مِن أفضل المرسلين، وألحقه بإخوانه المرسلين، وجعله محبوبًا مقبولًا معظَّمًا مثنًى عليه في جميع المِلَل، في كل الأوقات". فمتى ما أردتِ أن يجعلَ الله لكِ هذه الجاذبية وتلك المنزلة, فاحرصي على مَرضاة الله وطلب العلم, والتسلح به, ولتكنْ نيتُكِ خالصةً لله, لا لأجل فلانٍ ولا فلانة. ثم احرصي على بعضِ الخصال التي ينصحُ بها المختصُّون في مجال التواصل, لكَسْب محبَّة الناس والتعامل معهم بشكل عام؛ ومنها: 1) تسامحي معهم في حدودٍ لا تؤثِّر على مكانتك، أو تشعرُكِ بالمهانة, وليكنْ غضبُكِ بحلمٍ, وإظهار ضيقِكِ باحترامٍ يُجبِر مَن يعاملكِ على احترامكِ, أي أن تعامليهم بما تحبِّين أن تعاملي به. 2) تجنَّبي تمامًا افتعالَ المشكلات، أو إثارة العداوات, وليكن صمتُكِ أكثر من حديثِكِ, فكم مِن مرَّة هممتُ بالحديث ثم تبيَّن لي الفائدة العظمى للصمت! 3) أشعري مَن حولكِ بالاهتمام الصادق، والمحبة الحقيقية, وثقي أن ذلك لن يؤثِّر على مكانتكِ ومنزلتك في القلوب إلا بالإيجاب. 4) اجعلي لكِ يوميًّا قدْرًا من القراءة الحرة, ولو لم تتجاوز الدقائق العشر, وهذا من أكثرِ ما ينمِّي لديكِ مهارة التحدُّث وأسلوب التعامل اللَّبِق. 5) أَحسِني الاستماعَ إليهم، والتفاعل مع ما يقولون, وحاولي أن تجعلي حديثَك فيما يحبُّون, وليس فيما تحبِّين أنتِ. 6) لا بدَّ أن نستشعر الثقةَ في أنفسنا، بصرف النظر عن نظرة الناس إلينا؛ أنت تستحقين الاحترام، سواء اقتنع الناس بذلك أم لم يقتنعوا, أنتِ تستحقين الرعاية وأخذَ قسطٍ من الراحة, لا بدَّ أن تعاملي نفسَكِ على هذا المبدأ "مبدأ الاحترام"، الذي منحَكِ الله إياه, وأقرَّتْكِ الشريعة عليه, فعلامَ نحتقر أنفسنا، وننظر لها نظرة الدُّونِ، لمجرد أن مَن حولنا لا يقتنعُ بنا، أو لا يشعر بأهميتنا؟! بَيْدَ أن هناك فارقًا كبيرًا بين الكِبْر والثقة في النفس أو احترامها؛ فعن عبدالله بن مسعودٍ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يدخلُ الجنةَ مَن كان في قلبه مثقالُ ذرةٍ من كِبْر))، قال رجل: إن الرجل يحبُّ أن يكون ثوبُه حسنًا ونعلُه حسنة، قال: ((إن الله جميلٌ يحب الجمال, الكِبْر بَطَر الحقِّ، وغَمْط الناس))؛ رواه مسلم. ثالثًا: لعلِّي سأختصرُ في هذه النقطة, وأهم ما أحبُّ أن أذكِّركِ به أن معظمَ مَن أعرفُ يشكو ضيقَ الوقت, وكثرةَ الأعباء, إلا أني ألاحظُ فيمَن يزعم ذلك أن المشكلة لديه ليستْ في ضيق الوقت أو زيادة الأعباء, والدليلُ أنهم مع استمرارِ شكواهم لا يُحسِنون استغلال ما لديهم من وقتٍ, وكأنهم استثقلوا ما لديهم، فأَهمَلوا فيما عندهم وأَضاعُوه كاملًا, ولو أحسنَّا استغلال الوقت الذي نرى قلَّته وضِيقَه لأنجزنا ضِعْفَ ما نعتقدُ قدرتَنا عليه. لن أخدعَكِ بأن الدراسةَ مع أعباء البيت والطفل سهلةٌ ميسَّرة, لن أزعم ذلك بالتأكيد, وإنما أنصحُكِ وكلَّ مَن لها زوج وبيت وأبناء ولها نشاط آخر؛ كعملٍ أو دراسة أو غير ذلك, أن تحرصَ على كتابة كلِّ ما تفعله في يومِها, وتقوم بتسجيله بدقة في دفترٍ خاصٍّ، مع تسجيل الوقت المخصَّص لكل عمل, ثم بإمكانِكِ بعد ذلك أن تحدِّدي لكل عمل وقتَه المناسب لكِ؛ فقد يُنَاسِبكِ أن تدرسي في ساعات الصباح الأولى, ثم تتبعي ذلك بتنظيم وترتيب شؤون البيت, أو العكس. ومن الأمور المفيدة لمَن في حالتِكِ أن تجمعَ بين عملينِ في آنٍ؛ فملاعبةُ طفلِكِ أو إطعامُه يمكن أن تتم وأنت تعدِّين الطعام, أو ترتِّبين الفرش, وهكذا حاولي ضمَّ الأعمال إلى بعضِها على حسبِ الاستطاعة. جرِّبي التفويض؛ فإن كان طفلُكِ قد تجاوز العامَيْن فقد يناسبُه زيارة بيتِ والدتكِ من بداية الصباح إلى آخر اليوم, بحيث تُنجِزين في ذلك اليوم الكثير من المهام المؤجَّلة. |
09-16-2020, 04:12 AM | #10 |
|
|
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|