بعض الناس عنده مقدرة عجيبة في تكدير خاطره ..
وجلب الهم والغم لنفسه ..
ويجيد فن الخيالات الفاسدة لذهنه ..
فكم يصفوا له من هذه الحياة إذا كان دائماً يتذكر الماضي بآلامه ..
ويتوقع حوادث المستقبل ..
وتمرضه كلمة مؤذية من حاسد ويحقد على كثير ممن غمطوه حقه ..
ويغضب على زوجته المسرفه .. ويثور على إبنه لمخالفته أمره ..
ويحزن على ماسبق أن فقده ؟! ..
وهولأنه يظن ان مرضا ما سوف يصيبه..
ويستمر في جمع هذه القائمة من الاحزان والمصائب .
ان تذكر الماضي والتفاعل معه واستحضاره .. والحزن لمآسيه حمق وجنون..
وقتل للارادة وتبديد للحياة الحاضرة..
لأن ملف الماضي عند العقلاء يطوى ولا يروى..
يغلق عليه ابدا في زنزانة النسيان.. يقيد بحبال قويه في سجن الإهمال.. فلا يخرج ابداً..
ويوصد عليه فلا يرى النور.. لأنه مضى وانتهى..
لا الحزن يعيده.. لا الهم يصلحه.. لا الغم يصححه.. لا الكدر يحييه..
لأنه عدم.. فلا تعش في كابوس الماضي.. وتحت مظلة الفائت.. أنقذ نفسك من شبح الماضي..
أتريد ان ترد النهر إلى مصبه.. والشمس إلى مطلعها.. والطفل الى بطن امه..
واللبن الى الثدي.. والدمعة الى العين!
ان تفاعلك مع الماضي.. وقلقك منه.. واحتراقك بناره..
واطراحك على اعتابه وضع مآساوي رهيب مخيف مفزع.. وتمزيق للجهد..
ونسف للساعه الراهنة..
وقد ذكر الله الامم وما فعلت ثم قال ( تلك امة قد خلت ) ( البقرة: 134) .
إنتهى الأمر وقُضي .. ولا طائل من تشريح جثث الزمان .. وإعادة عجلة التاريخ .
إن الذي يعود للماضي .. كالذي يطحن الطحين وهو مطحونٌ أصلاً ..
وكالذي ينشر نشارة الخشب ...
وقديماً قالو لمن يبكي على الماضي : لاتخرج الأموات من قبورهم
.. وقد ذكر من يتحدث على السنة البهائم أنهم قالوh : لما لا تجتر ؟؟
فقال : أكره الكذب ..!!
إن بلاءنا أننا نعجز عن حاضرنا ونشتغل بماضينا ..
نهمل قصورنا الجميلة .. ونندب الأطلال البالية ..
ولئن اجتمعت الإنس والجن على إعادة مامضى لما استطاعوا.. لأن هذا المحال بعينه.
ان العقلاء لا ينظرون الى الوراء ولا يلتفتون الى الخلف..
لأن الريح تتجه الى الأمام.. والماء ينحدر الى الأمام..
والقافلة تسير الى الأمام.. فلا تخالف سنة الحياة.
فيا من اراد السعادة والراحة لاتقصر حياتك فهي قصيرة أصلاً..
عش في حدود يومك.. ولا تبك على ما فاتك..
واترك المستقبل حتى يأتي..
ولا تلق بالاً لكلام الحساد..
وتوكل على الله فهو حسبك.. وكفى هموماً وغموماً واحزاناً.