#1
|
|||||||||||||
|
|||||||||||||
المعصية تنسي العبد نفسه
المعصية تنسي العبد نفسه
ومن عقوباتها : أنها تنسي العبد نفسه ، وإذا نسي نفسه أهملها وأفسدها وأهلكها ، فإن قيل : كيف ينسى العبد نفسه ؟ وإذا نسي نفسه فأي شيء يذكر ؟ وما معنى نسيانه نفسه ؟ قيل : نعم ينسى نفسه أعظم نسيان ، قال تعالى : ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون [ سورة الحشر : 19 ] . فلما نسوا ربهم سبحانه نسيهم وأنساهم أنفسهم ، كما قال تعالى : نسوا الله فنسيهم [ سورة التوبة : 67 ] . فعاقب سبحانه من نسيه عقوبتين : إحداهما : أنه سبحانه نسيه . والثانية : أنه أنساه نفسه . ونسيانه سبحانه للعبد : إهماله ، وتركه ، وتخليه عنه ، وإضاعته ، فالهلاك أدنى إليه من اليد للفم ، وأما إنساؤه نفسه ، فهو : إنساؤه لحظوظها العالية ، وأسباب سعادتها وفلاحها ، وإصلاحها ، وما تكمل به بنسيه ذلك كله جميعه فلا يخطر بباله ، ولا يجعله على ذكره ، ولا يصرف إليه همته فيرغب فيه ، فإنه لا يمر بباله حتى يقصده ويؤثره . وأيضا فينسيه عيوب نفسه ونقصها وآفاتها ، فلا يخطر بباله إزالتها . وأيضا فينسيه أمراض نفسه وقلبه وآلامها ، فلا يخطر بقلبه مداواتها ، ولا السعي في إزالة عللها وأمراضها التي تئول بها إلى الفساد والهلاك ، فهو مريض مثخن بالمرض ، ومرضه مترام به إلى التلف ، ولا يشعر بمرضه ، ولا يخطر بباله مداواته ، وهذا من أعظم العقوبة العامة والخاصة . فأي عقوبة أعظم من عقوبة من أهمل نفسه وضيعها ، ونسي مصالحها وداءها ودواءها ، وأسباب سعادتها وفلاحها وصلاحها وحياتها الأبدية في النعيم المقيم ؟ ومن تأمل هذا الموضع تبين له أن أكثر هذا الخلق قد نسوا حقيقة أنفسهم وضيعوها وأضاعوا حظها من الله ، وباعوها رخيصة بثمن بخس بيع الغبن ، وإنما يظهر لهم هذا عند الموت ، ويظهر هذا كل الظهور يوم التغابن ، يوم يظهر للعبد أنه غبن في العقد الذي عقده لنفسه في هذه الدار ، والتجارة التي اتجر فيها لمعاده ، فإن كل أحد يتجر في هذه الدنيا لآخرته . فالخاسرون الذين يعتقدون أنهم أهل الربح والكسب اشتروا الحياة الدنيا وحظهم فيها ولذاتهم ، بالآخرة وحظهم فيها ، فأذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا ، واستمتعوا بها ، ورضوا بها ، واطمأنوا إليها ، وكان سعيهم لتحصيلها ، فباعوا واشتروا واتجروا وباعوا آجلا بعاجل ، ونسيئة بنقد ، وغائبا بناجز ، وقالوا : هذا هو الحزم ، ويقول أحدهم : خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به فكيف أبيع حاضرا نقدا مشاهدا في هذه الدار بغائب نسيئة في دار أخرى غير هذه ؟ وينضم إلى ذلك ضعف الإيمان وقوة داعي الشهوة ، ومحبة العاجلة والتشبه ببني الجنس ، فأكثر الخلق في هذه التجارة الخاسرة التي قال الله في أهلها : أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون [ سورة البقرة : 86 ] ، وقال فيهم : فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين [ سورة البقرة : 16 ] ، فإذا كان يوم التغابن ظهر لهم الغبن في هذه التجارة ، فتتقطع عليهم النفوس حسرات . وأما الرابحون فإنهم باعوا فانيا بباق ، وخسيسا بنفيس ، وحقيرا بعظيم ، وقالوا : ما مقدار هذه الدنيا من أولها إلى آخرها ، حتى نبيع حظنا من الله تعالى والدار الآخرة بها ؟ فكيف ينال العبد منها في هذا الزمن القصير الذي هو في الحقيقة كغفوة حلم ، لا نسبة له إلى دار القرار ألبتة : قال تعالى : ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم [ سورة يونس : 45 ] . وقال تعالى : يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها إنما أنت منذر من يخشاها كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها [ سورة النازعات : 42 - 46 ] . وقال تعالى : كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ [ سورة الأحقاف : 35 ] . وقال تعالى : كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون [ سورة المؤمنين : 112 - 114 ] . وقال تعالى : يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما [ سورة طه : 102 - 104 ] . فهذه حقيقة الدنيا عند موافاة يوم القيامة ، فلما علموا قلة لبثهم فيها ، وأن لهم دارا غير هذه الدار ، هي دار الحيوان ودار البقاء - رأوا من أعظم الغبن بيع دار البقاء بدار الفناء ، فاتجروا تجارة الأكياس ، ولم يغتروا بتجارة السفهاء من الناس ، فظهر لهم يوم التغابن ربح تجارتهم ومقدار ما اشتروه ، وكل أحد في هذه الدنيا بائع مشتر متجر ، و كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها . إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم [ سورة التوبة : 111 ] . فهذا أول نقد من ثمن هذه التجارة ، فتاجروا أيها المفلسون ، ويا من لا يقدر على هذا الثمن ، هنا ثمن آخر ، فإن كنت من أهل هذه التجارة فأعط هذا الثمن : التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين [ سورة التوبة : 112 ] . ياأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون [ سورة الصف : 10 - 11 ] . والمقصود أن الذنوب تنسي العبد حظه من هذه التجارة الرابحة ، وتشغله بالتجارة الخاسرة ، وكفى بذلك عقوبة ، والله المستعان . الخدمات العلمية تفسير الأيةترجمة العلمعناوين الشجرةتخريج الحديث تَشكيِل النص قوله تعالى : فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون . قوله تعالى : فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل وقال ابن عباس : ذوو الحزم والصبر ، قال مجاهد : هم خمسة : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد عليهم الصلاة والسلام . وهم أصحاب الشرائع . وقال أبو العالية : إن أولي العزم : نوح ، وهود ، وإبراهيم . فأمر الله - عز وجل - نبيه عليه الصلاة والسلام أن يكون رابعهم . وقال السدي : هم ستة : إبراهيم ، وموسى ، وداود ، وسليمان ، وعيسى ، ومحمد ، صلوات الله عليهم أجمعين . وقيل : نوح ، وهود ، وصالح ، وشعيب ، ولوط ، وموسى ، وهم المذكورون على النسق في سورتي ( الأعراف والشعراء ) وقال مقاتل : هم ستة : نوح صبر على أذى قومه مدة . وإبراهيم صبر على النار . وإسحاق صبر على الذبح . ويعقوب صبر على فقد الولد وذهاب البصر . ويوسف صبر على البئر والسجن . وأيوب صبر على الضر . وقال ابن جريج : إن منهم إسماعيل ويعقوب وأيوب ، وليس منهم يونس ولا سليمان ولا آدم . وقال الشعبي والكلبي ومجاهد أيضا : هم الذين أمروا بالقتال فأظهروا المكاشفة وجاهدوا الكفرة . وقيل : هم نجباء الرسل المذكورون في سورة ( الأنعام ) وهم ثمانية عشر : إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، ونوح ، وداود ، وسليمان ، وأيوب ، ويوسف ، وموسى ، وهارون ، وزكرياء ، ويحيى ، وعيسى ، وإلياس ، وإسماعيل ، واليسع ، ويونس ، ولوط . واختاره الحسن بن الفضل لقوله في عقبه : أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده وقال ابن عباس أيضا : كل الرسل كانوا أولي عزم . واختاره علي بن مهدي الطبري ، قال : وإنما دخلت من للتجنيس لا للتبعيض ، كما تقول : اشتريت أردية من البز وأكسية من الخز . أي : اصبر كما صبر الرسل . وقيل : كل الأنبياء أولو عزم إلا يونس بن متى ، ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يكون مثله ، لخفة وعجلة ظهرت منه حين ولى مغاضبا لقومه ، فابتلاه الله بثلاث : سلط عليه العمالقة حتى أغاروا على أهله وماله ، وسلط الذئب على ولده فأكله ، وسلط عليه الحوت فابتلعه ، قال أبو القاسم الحكيم . وقال بعض العلماء : أولو العزم اثنا عشر نبيا أرسلوا إلى بني إسرائيل بالشام فعصوهم ، فأوحى الله إلى الأنبياء أني مرسل عذابي إلى عصاة بني إسرائيل ، فشق ذلك على المرسلين فأوحى الله إليهم اختاروا لأنفسكم ، إن شئتم أنزلت بكم العذاب وأنجيت بني إسرائيل ، وإن شئتم نجيتكم وأنزلت العذاب ببني إسرائيل ، فتشاوروا بينهم فاجتمع رأيهم على أن ينزل بهم العذاب وينجي الله بني إسرائيل ، فأنجى الله بني إسرائيل وأنزل بأولئك العذاب . وذلك أنه سلط عليهم ملوك الأرض ، فمنهم من نشر بالمناشير ، ومنهم من سلخ جلدة رأسه ووجهه ، ومنهم من صلب على الخشب حتى مات ، ومنهم من حرق بالنار . والله أعلم . وقال الحسن : أولو العزم أربعة : إبراهيم ، وموسى ، وداود ، وعيسى ، فأما إبراهيم فقيل له : أسلم قال أسلمت لرب العالمين ثم ابتلي في ماله وولده ووطنه ونفسه ، فوجد صادقا وافيا في جميع ما ابتلي به . وأما موسى فعزمه حين قال له قومه : إنا لمدركون . قال كلا إن معي ربي سيهدين وأما داود فأخطأ خطيئته فنبه عليها ، فأقام يبكي أربعين سنة حتى نبتت من دموعه شجرة ، فقعد تحت ظلها . وأما عيسى فعزمه أنه لم يضع لبنة على لبنة وقال : ( إنها معبرة فاعبروها ولا تعمروها ) فكأن الله تعالى يقول لرسوله - صلى الله عليه وسلم - : اصبر ، أي : كن صادقا فيما ابتليت به مثل صدق إبراهيم ، واثقا بنصرة مولاك مثل ثقة موسى ، مهتما بما سلف من هفواتك مثل اهتمام داود ، زاهدا في الدنيا مثل زهد عيسى . ثم قيل هي : منسوخة بآية السيف . وقيل : محكمة ، والأظهر أنها منسوخة ; لأن السورة مكية . وذكر مقاتل : أن هذه الآية نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد ، فأمره الله - عز وجل - أن يصبر على ما أصابه كما صبر أولو العزم من الرسل ، تسهيلا عليه وتثبيتا له . والله أعلم . ولا تستعجل لهم قال مقاتل : بالدعاء عليهم . وقيل : في إحلال العذاب بهم ، فإن أبعد غاياتهم يوم القيامة . ومفعول الاستعجال محذوف ، وهو العذاب . كأنهم يوم يرون ما يوعدون قال يحيى : من العذاب . النقاش : من الآخرة . لم يلبثوا أي في الدنيا حتى جاءهم العذاب ، وهو مقتضى قول يحيى . وقال النقاش : في قبورهم حتى بعثوا للحساب . إلا ساعة من نهار يعني في جنب يوم القيامة . وقيل : نساهم هول ما عاينوا من العذاب طول لبثهم في الدنيا . بلاغ أي هذا القرآن بلاغ ، قاله الحسن . فبلاغ رفع على إضمار مبتدإ ، دليله قوله تعالى : هذا بلاغ للناس ولينذروا به وقوله : إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين . والبلاغ بمعنى التبليغ . وقيل : أي : إن ذلك اللبث بلاغ ، قاله ابن عيسى ، فيوقف على هذا على بلاغ وعلى نهار وذكر أبو حاتم أن بعضهم وقف على ولا تستعجل ثم ابتدأ لهم على معنى لهم بلاغ . قال ابن الأنباري : وهذا خطأ ، لأنك قد فصلت بين البلاغ وبين اللام ، - وهي رافعة - بشيء ليس منهما . ويجوز في العربية : بلاغا وبلاغ ، النصب على معنى إلا ساعة بلاغا ، على المصدر أو على النعت للساعة . والخفض على معنى من نهار بلاغ . وبالنصب قرأ عيسى بن عمر والحسن . وروي عن بعض القراء ( بلغ ) على الأمر ، فعلى هذه القراءة يكون الوقف على من نهار ثم يبتدئ ( بلغ ) فهل يهلك إلا القوم الفاسقون أي الخارجون عن أمر الله ، قاله ابن عباس وغيره . وقرأ ابن محيصن ( فهل يهلك إلا القوم ) على إسناد الفعل إلى القوم . وقال ابن عباس : إذا عسر على المرأة ولدها تكتب هاتين الآيتين والكلمتين في صحيفة ثم تغسل وتسقى منها ، وهي : بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله العظيم الحليم الكريم ، سبحان الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها . كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون صدق الله العظيم . وعن قتادة : لا يهلك الله إلا هالكا مشركا . وقيل : هذه أقوى آية في الرجاء . والله أعلم |
07-16-2019, 12:23 PM | #2 |
وإني لأحبك يالله
|
نسأل الله أن نكون حافظين لحدوده
وان يبعدنا عن شر المعاصي ويقربنا لكل عمل يحب ويرضى في موازين حسناتك |
ربي اغفر لي ولوالدي كما ربياني صغيرة |
07-20-2019, 07:04 AM | #4 |
|
منورين
|
|
10-12-2019, 08:48 PM | #6 |
|
منوررين
|
|
10-19-2019, 11:51 PM | #9 |
|
منورين
|
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
« من خسر نفسه هدم مهما بنى !! » | وله | شدو مقدّس / حصريات الأعضاء بأقلامهم | 16 | 04-22-2019 03:02 PM |
ذكر شيء من أخبار نوح نفسه عليه الصلاة والسلام | رويم | نفحات نبوية / الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام | 2 | 03-28-2019 01:11 AM |
هبوب المعصية | الغالي | خشوع وسكينة / إسلاميات الأمل | 12 | 04-20-2017 03:00 PM |