تُطلق عبارة الفتح الإسلامي أو الفتوحات الإسلامية على الحملات العسكرية التي نظمها المسلمون خلال مراحل التاريخ الإسلامي، وكان الغاية منها نشر الإسلام في ربوع المعمورة، وإزالة الحواجز التي تحول بين الناس ووصول رسالة الإسلام إليهم.
الفتوحات الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين
فتوحات أبي بكر الصديق
بعد انتهاء حروب الرّدّة بدأت السنين الطويلة من الفتوحات الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين، فأرسل الخليفة خالد بن الوليد على رأس الجيش إلى العراق، وكان حريصًا على فتح المناطق التي تنزلها قبائل العرب، فبدأ بفتح أدنى العراق، فيما أرسل الخليفة الجيش الثاني بقيادة عياض بن غنم ليغزو العراق من أعلاه ، حتى يلقى خالدًا في الحيرة ، فتكون جيوش الفرس في هذه الحالة مرتبكة بين فكّي كماشة .
خاض جيش خالد معركته الأولى ” ذات السلاسل ” التي هزم فيها الفرس شر هزيمة، وكانت علامة فارقة في الفتوحات الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين؛ بدأ بعدها تهاوي إمبراطورية الفرس، وتلاحقت المعارك في العراق، ففتح جيش خالد الثني والبصرة والولجة، ثم فتح أليس وأمغيشيا، ليتجه المسلمون بعدها ناحية الحيرة؛ حيث قضى خالد على جيوشها التي خرجت لقتالهم خارج المدينة، ودخل المدينة فصالح أهلها، وأجزلوا له العطايا، فاحتسبها الخليفة أبو بكر من مال الجزية تعففًا، وبفتح الحيرة انهارت معنويات الفرس وانكسرت شوكتهم.
بعد ذلك استخلف خالد على الحيرة “القعقاع بن عمرو التميمي” ، وساند عياض بن غنم في فتح الأنبار، ثم فتح عين تمر، ثم تابع قتال الفرس ومن ساندهم من العرب، ففتحوا دومة الجندل والزميل، ثم قصدت جيوش خالد منطقة الفارض على تخوم الشام؛
وفي الفارض تحالف العرب والفرس والروم، إلا أن المسلمون انتصروا عليهم و ختموا بتلك المعركة سلسلة انتصاراتهم في العراق ، ولم تقم بعدها للفرس في العراق شوكة يخشاها المسلمون أبدًا.
كانت رغبة النبي عليه الصلاة والسلام في فتح بلاد الشام حاضرة منذ معركة مؤتة وغزوة تبوك، ثم في تجهيز جيش أسامة، ومع انتهاء حروب الردة ، وفي بداية الفتوحات الإسلامية في عهد أبي بكر ، أرسل الخليفة أربع جيوش برئاسة يزيد بن أبي سفيان الذي استلم راية القيادة من خالد بن سعيد الذي بقي في تيماء جنوب الشام، والجيش الثاني بقيادة شرحبيل بن حسنة، وهدفه بصرى، والجيش الثالث بقيادة أبي عبيدة بن الجراح، وهدفه حمص، وخرج على رأس الجيش الرابع عمرو بن العاص وهدفه فلسطين .
إلا أن المواجهة مع الروم في الشام كانت صعبة ،حيث كان لديهم جيشان كبيران ، واحد في فلسطين، والآخر في أنطاكية، وقد توغلت جيوش المسلمين في أراضي الشام، وانتصر المسلمون على جموع الروم في مؤاب، ثم في داثن وغيرها من المعارك، قبل أن يتلقى جيش خالد بن سعيد هزيمة عند مرج الصفّر.
بعد الهزيمة حشد الروم قواتهم ، إلا أن الجيوش الإسلامية أعدت خطة مضادة لهم ، فاقترح عمرو بن العاص أن تجتمع الجيوش جنوب بلاد الشام تاركة جميع ما كسبته لتتجنب أي معركة غير متكافئة مع جموع الروم، فتجمع المسلمون بالقرب من بصرى، وأرسلوا لأبي بكر في المدينة يعلمونه بخطتهم، فأدرك الخليفة حرج أمر المسلمين في جبهة الشام، وضرورة وجود قائد فذ، فأرسل إلى خالد الذي حقق المراد الآني في العراق، فانتقل خالد بقسم من الجيش إلى الشام، وفتح في طريقه تدمر، ثم القريتين وحوارين ، ثم اجتمع بالجيوش الثلاثة الأولى وتمّ فتح بصرى صلحًا بعد الحصار ، ثم قرر القادة مؤازرة جيش عمرو بن العاص في أجنادين ، حيث حقق المسلمون فيها نصرًا عظيمًا في الوقت الذي اشتدّ فيه مرض أبي بكر الصديق حتى فارق الحياة .
فتوحات عمر بن الخطاب
انسحبت جيوش الروم بعد معركة أجنادين إلى دمشق وفي الأثناء تلقى أبو عبيدة بن الجراح خبر وفاة الصديق وخلافة عمر بن الخطاب ومعها عزل خالد من القيادة وتوليّه قيادة الجيوش بأمر الخليفة الجديد فأخفى الخبر عدة أيام، وأحسن قيادة الجيش، وتقسيمه بين القادة، وبدأت مرحلةٌ جديدةٌ من الفتوحات الإسلامية في عهد الخلفاء الرشادين، فانتصروا المسلمون على الروم في معركة الفحل بفلسطين، ثم في مرج الروم وحاصروا دمشق وفتحوها بعد حوالي سبعين يومًا، ثم فتحت بعلبك وبعدها حمص وحماه ومعرّة النعمان وأفاميا، ثم خفّت وتيرة الفتوحات قبل أن يرسل هرقل جيشًا ضخمًا اضطر المسلمون بسببه لسحب قواتهم جنوبًا نحو وادي اليرموك الذي شهد أعظم المعارك الإسلامية ضد الروم.
تقهقرت الإمبراطورية بعد معركة اليرموك إلى الشمال، ففتح المسلمون المدن تباعًا؛ حلب والحاضر وقنسرين وأنطاكيا وصولًا إلى حدود الأناضول، ثم استكملوا فتح مدن الساحل السوري، وفتحت بيت المقدس بعد الحصار، وتسلم عمر بن الخطاب مفاتيح المدينة على شروط العهدة العمرية، ثم انتشر بين المسلمون طاعون عظيم بدأ من بلدة عمواس في فلسطين، فقضى الآلاف، وبينهم خيرة الصحابة، وعلى رأسهم قائد الجيش أبو عبيدة، ثم فتحت قيسارية، وفي أواخر أيام عمر استعاد الروم بعض مدن الساحل السوري.
شهدت خلافة بن الخطاب اتساع رقعة الفتوحات الإسلامية ، حيث أرسل جيشا لفتح مصر بقيادة عمرو بن العاص الذي استفاد من الأوضاع السياسية المتردية في مصر تحت حكم الأقباط الخاضعين لحكم الرومان ، فبدأ بالعريش ثم حاز فرما ثم توغل حتى فتح بلبيس ثم أم دنين، وأغار على الفيوم قبل أن ينتصر على جيش الروم في عين شمس ، ثم فتحت الفيوم، وبعد حصار طويل فتح حصن بابليون على وقع أنباء موت الإمبراطور الروماني هرقل ، وكان فتح بابليون من أعظم إنجازات الفتوحات الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين على جبهة مصر .
تأخر فتح الإسكندرية التي كانت آخر معاقل الروم في مصر أشهرًا ، وقد شهدت هذه الأشهر مناوشات ومعارك صغرى ، واستعجل الخليفة أمر الإسكندرية ؛ لكنها استعصت فشدّد عمرو بن العاص الخناق عليها ، وتختلف الروايات في كيفية فتحها سلما أم حربا ؛ لكن المسلمون حازوا بها غنائم لا تحصى دون أن يجبروا أهل المدينة على ترك دينهم، وفي أواخر عهد عمر فتح عمرو بن العاص برقة وطرابلس الغرب .
استأنف عمر الفتوحات في جبهة العراق وفارس، فانتصر المسلمون في معركة النمارق والسقاطية وباقسياثا قبل أن يتعرضوا للهزيمة في معركة الجسر التي ثأر المسلمون لها بعد ذلك في معركة البويب قبل معركة القادسية الكبرى على وقع الخلافات حول الحكم في فارس، وبعد القادسية سقطت بابل وبهرسير، ثم اتجه المسلمون إلى المدائن عاصمة الفرس، ودخلوا القصر الأبيض سلمًا دون مقاومة ، واستمرت المعارك حتى انهيار إمبراطورية الفرس الساسانية بشكل كامل
فتح المسلمون بعد ذلك الأهواز ورامهرمز وتستر والسوس وجندي سابور ونهاوند وأصبهان والري وقومس وجرجان وطبرستان وأذربيجان وجميع بقاع إيران ، وفي الشمال اتسع نفوذ المسلمين وصولًا إلى أرمينيا، وخضعت السلطة السياسة الأرمينية لشروط المسلمين مع حفاظها على طابعها المسيحي، فانحسر نفوذ الروم في تلك المناطق، ووصل المسلمون إلى شواطئ البحر الأسود ليقطعوا أي صلة بين الروم والفرس الذين تنافسوا في فترات سابقة على أرمينيا.
فتوحات عثمان بن عفان
اختلفت الفتوحات الإسلامية في هذه الفترة ، حيث ازداد الاهتمام بالأسطول البحري مع سقوط عدة مدن ساحلية بيد الحملات البحرية الرومانية آخرها الإسكندرية في مصر، فاستأذن والي الشام معاوية بن أبي سفيان الخليفة، وجهز الأسطول بعد استعادة مدن الساحل الشامي، ثم انطلقت حملات المسلمين لفتح جزيرة قبرص وغيرها من الجزر كأرواد ورودس؛ لتتكلل الجهود البحرية بنصر عظيم في معركة ذات الصواري ضد مئات السفن الرومانية .
اتسع نفوذ المسلمين شمالًا في بلاد أرمنينا، وتقدموا في إفريقيا بقيادة عبد الله بن أبي السرح الذي أرسل السراية ، ثم سار بنفسه نحو قرطانجنة، ففتحها بعد وصول الإمدادات من الخليفة، ثم دخل سبيطلة وقفصة وحصن الأجم مكتفيًا بهذا القدر بعد أن خبر القتال في إفريقيا، وتعرف على طبيعة البلاد وأهلها؛ ليعود بعد ذلك لغزو بلاد النوبة جنوب مصر، حيث هادن أهلها على عقود تجارية لتبادل المؤن.
توقف الفتوحات في عهد علي بن أبي طالب
طالب أثارت بعض سياسات عثمان نهاية عهده حفيظة عدد كبير المسلمين، وبدأت بوادر فتنة انتهت بمقتل عثمان، فبويع عليّ -رضي الله عنه- بالخلافة في المدينة ، إلّا أن عددًا من الولاة على رأسهم معاوية بن أبي سفيان رفضوا البيعة قبل الاقتصاص من قتلة عثمان، فيما حاول علي امتصاص الفتنة والعودة إلى نهج عمر في العدل بين جميع المسلمين؛ لكن أصواتا معارضة له في المدينة دفعته لنقل دار الخلافة إلى الكوفة ، وازداد اتّقاد نار الفتنة بين علي ومعاوية، وسحب الأخير الجيوش من أرمينا لضرورات الوضع الراهن ، وهكذا توقفت سلسلة الفتوحات الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين على جميع الجبهات .
فتح إفريقيا
عادت الحملات العسكرية حينما استتب الأمر للخليفة الأموية معاوية بن أبي سفيان حيث أرسل حملات عسكرية إلى أفريقيا بقيادة عقبة بن نافع استطاعت فتح كثير من المناطق والوصول إلى تونس حيث بنى فيها عقبة مدينة القيروان، واستكمل فتح بلاد أفريقيا سنة 87 للهجرة حينما وصل القائد المسلم موسى بن نصير إلى السوس الأقصى وساحل المحيط الأطلسي .
فتح الأندلس
حينما فرغ المسلمون من فتح بلاد المغرب العربي اتجهت أنظارهم إلى بلاد إسبانيا وشبه الجزيرة الإيبيرية، حيث نظم المسلمون حملات عسكرية ابتداء من سنة 92 للهجرة إلى عام 107 للهجرة، واستطاعت بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نصيرمن فتح كثير من المدن في شبه الجزيرة الإيبيرية، فهُزمت مملكة القوط وأُسست دولة الأندلس التي بقيت لقرون طويلة حضارة المسلمين في أوروبا. فتح القسطنطينية تمكن السلطان العثماني محمد الفاتح من فتح القسطنطينية سنة 1453م ، فيما سُمي بالفتح العظيم لهذه المدينة التي استعصت زماناً طويلاً على المسلمين.
فتوحات آسيا
في هذه الفترة التي امتدت من سنة 86 للهجرة إلى سنة 96 استطاع المسلمون فتح كثير من البلدان في آسيا بقيادة قتيبة بن مسلم ومنها بخارى، وبلاد السند، وسمرقند، وخوارزم، وخراسان، حتى وصلوا إلى كاشغر شرق الصين التي أسسوا فيها قاعدة عسكرية إسلامية، وكانت هذه النقطة تمثل أقصى ما وصلوا إليه في آسيا .