#1
|
||||||||
|
||||||||
صُبَابَةُ القَولِ في معنى أن نغضب
صُبَابَةُ القَولِ
في معنى أن نغضب لا أحد ينكر أن الغضب من أسوأ الصفات وأقبحها في الإنسان؛ الغضب يشوّه ملامح المرء، ويحوله إلى منظر بشع، وربما يجنح به إلى المرض، أو التعب، أو الكره، أو السجن، أو تهوي به الريح في مكان سحيق؛ كلما فقد أعصابه ولم يحسن التكيّف مع غضبه؛ ولذلك عُدَّ الحلم من أنبل الصفات المحمودة في الإنسان وأرقاها؛ لأنه يستطيع أن يكشف عن الوجه الآخر من التؤدة والتأني، والتريّث، وعدم الاستعجال، والتصرف بحكمة؛ وفي ضوء ذلك فإن التعامل مع منغصات الحياة ومكدراتها - ومن بينها الغضب – أمر يحتاج إلى دربة وممارسة، قبل أن يتحول إلى ثقافة وذوق وأخلاق. إن الغضب يعني الانهزام والسقوط من أول وهلة، وهو يعني أيضًا عدم الثقة بالنفس، ومن يسلّم نفسه للغضب فسيجد مُرًا في الحياة طويلًا، في كل شاردة وواردة، وفي كل صغيرة وكبيرة، بل ستمتلئ نفسه بالاكتئاب، والشعور بالخيبات، وتأنيب الضمير؛ ومن هنا فالذين يكبحون جماح غضبهم هم الأقوياء، وهم الأبطال الذين تغنّى بأمجادهم الأدباء والفلاسفة منذ غابر القرون، وحاولوا أن يرصدوا فوادح الغضب. يقول أرسطو: «أولئك الذين هم في ثورة الغضب يفقدون كل سلطان على أنفسهم»، ويقول ابن المقفع مبيّنًا أثر الغضب في الحجة: «إذا حاججت فلا تغضب فإن الغضب يدفع عنك الحجة، ويظهر عليك الخصم»، بل إن الغضب قد يؤثر في الإبداع ويحجّم من تدفقه، ويحدّ من تطوره؛ لهذا قال الفيلسوف الروماني (إميل سيوران) عن الموسيقار الألماني (بيتهوفن) إنه أفسد الموسيقى؛ لأنه أدخل عليها اللحظات المزاجية، وسمح بتسلّل الغضب إليها. إننا بحاجة إلى (شعرنة الغضب)، وأستعير الشعرنة هنا من عنوان دورة تدريبية قمت بها بعنوان (شعرنة النص)، وبصرف النظر عن الجدل الصرفي الذي دار حولها وضعت تمهيد هذه الدورة عن (شعرنة الأشياء) لنعرف كي نشعرن كل ما حولنا، بمعنى أن نمنحه سمات شاعرية، وصفات جمالية، وليس بالضرورة أن يكون الأمر نظمًا، ووزنًا، أو عروضًا وشعرًا؛ لذا علينا الدخول إلى عالم الشعرية من أوسع أبوابها، علينا أن نشعرن المكان، والزمان، والبناء، والشوارع، والسيارات، واللباس، والغذاء، بل علينا أن نشعرن علاقاتنا وعاداتنا بأن نجعلها أكثر فخامة، وجمالاً، كأنها تنطق شعرًا، حتى إن كانت تلك العادات سيئة كالغضب. علينا أن نتعايش مع الغضب، ونشعرنه، بالهدوء، والصبر، وعدم الاستسلام، وفي النهاية سنتعلم من هذا الألم، وكما يقول الشاعر الأرجنتيني (خورخي لويس بورخيس) في عبارته التي شعرن بها عاقبة الألم: «بَعد فترة تَبدأ بـتقُبل هَـزائمك برأس مَرفوع، وليس بحُزن طفل، وتزرع حديقتك بدل انتظار أحدهم ليُهديك وردة، وتَتعلم وتَتعلم، مَع كل وداع تَتعلم» ونحن نقول: «تتعلم وتتعلم، مع كل غضب تتعلم». |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
معنى العبادهـ وأركانها | قيثارة | خشوع وسكينة / إسلاميات الأمل | 34 | 03-12-2020 11:21 PM |
معنى سر إلى أعرج ..؟ | قيثارة | القرآن والتفسير والإعجاز القراني | 24 | 01-16-2020 03:11 AM |
معنى الكرسي | العنوود | القرآن والتفسير والإعجاز القراني | 20 | 01-02-2020 03:00 AM |
لم أكن اعي معنى الحرب ، » | هُدوءء | صدى الحرف و صخب الأعماق | 17 | 08-27-2018 01:40 AM |