مكانة القرآن الكريم
إنّ للقرآن الكريم منزلةً عاليةً رفيعةً بين الكتب السماوية الأخرى التي سبقته بالنزول، كصحف إبراهيم، وموسى، والتوراة، والزبور،
والإنجيل؛ لأنّها تعرّضت للتحريف والتبديل، وكانت تشريعاً لمجموعةٍ معينةٍ من النّاس، بينما جاء القرآن الكريم شاملاً لأصول
الهداية البشرية، محتوياً على منهجاً ربّانياً يحقّق السعادة الإنسانية، منظّماً للفطرة السليمة.
آداب تلاوة القرآن الكريم
إنّ من أعلى مقامات الأدب؛ الأدب مع الله -سبحانه وتعالى- والأدب مع كتابه الذي يحوي كلامه سبحانه، لذلك كان لا بدّ لمن يقرأ القرآن الكريم أن يراعي الآداب الآتية:
•عدم هجر القرآن الكريم: ينبغي على المسلم أن يحافظ على قراءة القرآن آناء الليل وأطراف النهار، والعمل به، والحكم بشرعه،
وعدم هجره بأي شكلٍ من الأشكال، وختمه من فترةٍ لأخرى، كما كان حال السلف -رضوان الله عليهم- الذين منهم من كان يختم القرآن في شهرين،
ومنهم من كان يختمه كل شهر، ومنهم من كان يختمه في بضعة أيام.
•التطيّب عند قراءة القرآن الكريم: يُستحب للمسلم أن ينظّف فمه بالسواك أو بالمضمضة عند قراءة القرآن الكريم، ويُحسن لباسه، ويتطيّب، فها هو الإمام
مالك يتطيَّب ويتجمّل عند التحدّث بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، فكذلك القرآن الكريم.
•عدم قَطْع قراءة القرآن الكريم: يُكره لقارئ القرآن أن يقطع قراءته لغير ضرورة، أو أن ينشغل بغير التلاوة؛ كالضحك، واللغط، والعبث باليد، أو النظر إلى ما يُلهي ويُبدّد الذهن.
•استقبال القبلة عند قراءة القرآن الكريم: يُستحبّ لقارئ القرآن الكريم في الصلاة وفي غيرها أن يستقبلَ القبلة، وأن يجلس بأدبٍ وسكينةٍ ووقارٍ، مستشعراً عظمة ذي الجلال، وهذا هو الأكمل،
لكن لو قرأ وهو قائماً، أو مضطجعاً، أو وهو في فراشه، جاز له ذلك، وحصل على الأجر لكنّه أقل من الهيئة الأولى.
•الاستعاذة والبسملة عند قراءة القرآن الكريم: ينبغي على قارئ القرآن أن يحافظ على قراءة البسملة في أول كل سورة،
ما عدا سورة التوبة؛ لأنّ أكثر أهل العلم اعتبروا أنّ البسملة آيةً من السورة لأنها كُتبت في القرآن، وإذا أراد الشروع في القراءة استعاذ بالله من الشيطان الرجيم.
•تطبيق أحكام التجويد عند قراءة القرآن: ينبغي على القارئ أن يرتّل قراءته للقرآن الكريم استجابةً لقوله تعالى: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)، ولأنّ الترتيل والتجويد أقرب إلى التوقير والاحترام،
ويؤثّر في القلب بشكلٍ أكبر، ويُستحب للقارئ البكاء في حال القراءة، ويُستحب له إذا مرّ بآية عذاب أن يستعيذ منها، وإذا مرَّ بآية تنزيه أن يُنزّه الله تعالى.
•الطهارة عند قراءة القرآن الكريم: ينبغي على المسلم مراعاة أحكام الطهارة عند قراءة القرآن الكريم، وذلك من وجهين هما: ◦الوجه الأول:
طهارة المكان؛ حيث يُستحب لقارئ القرآن أن يقرأ في مكانٍ مختار نظيفٍ، ولذلك استحبَّ جماعةٌ من أهل العلم القراءة في المسجد؛ لأنّه مكانٌ يجمع نظافة البقعة، وشرف المكان، وفضل الاعتكاف.
◦الوجه الثاني: طهارة البدن؛ فيُستحب لقارئ القرآن الكريم القراءة وهو على طهارةٍ، لكن إذا قرأ وهو مُحدثاً حدثاً أصغر جاز له ذلك، ولا يُقال أنّه ارتكب مكروهاً،
بل هو تاركٌ للأفضل، وإن لم يجد الماء، أو لم يستطع استعماله أُبيح له التيمّم، أمّا بالنسبة للمحدث حدثاً أكبر؛ كالجنب، والحائض، والنفساء، فقد أجاب الإمام
ابن باز عند سؤاله عن حكم قراءتهم للقرآن الكريم، فقال: "الحاصل أن الصواب والراجح من قولي العلماء: أنّه لا حرج على الحائض والنفساء أن تقرأ ما تحفظان
من القرآن، ولا حرج أن تقرأ الحائض والنفساء آية الكرسي عند النوم، ولا حرج أن تقرأ ما تيسر من القرآن في جميع الأوقات عن ظهر قلب"، أمّا الجنب فإنه لا يقرأ
القرآن بالنص؛ لأنّ مدّة الجنابة قصيرة متى فرغ تطهّر وقرأ، ولأنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان لا يمنعه شيءٌ عن قراءة القرآن الكريم إلا إذا كان جنباً حتى يغتسل.
أمور تعين القارئ على تدبر القرآن
إنّ تلاوة القرآن العظيم من أعظم القربات، ومن أفضل الطاعات التي ينبغي على المسلم أن يحرص عليها، لينال الثواب الذي أخبر
به الرسول -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالها، لا أقول ألم حرفٌ، ولكن ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ)،
وعليه أن يقصد بتلاوته وجه الله -تعالى- والتقرّب إليه، لأنّ العمل إذا دخله الرياء، والسمعة، و المنافسة، فلا قيمة له، ومن الأمور التي تعين القارئ على خشوع قلبه،
وخضوع جوارحه، وتحقيق تدبّر معاني آيات القرآن الكريم ما يأتي:
•معرفة القارئ لأهميّة تدبّر القرآن الكريم: وإدراكه لفائدته؛ لأنّ من لم يُدرك أهميّة التدبر، لا يلتفت إليه.
•استحضار القارئ لعظمة الله -سبحانه وتعالى- أثناء القراءة: لأنّه هو المتكلم بالقرآن، فقد قال العالم ابن قدامة رحمه الله:
"وليعلم أن ما يقرؤه ليس كلام بشر، وأن يستحضر عظمة المتكلم سبحانه، ويتدبّر كلامه؛ فإنّ التدبّر هو المقصود من القراءة".
•استحضار القارئ أنه هو المُخاطب بهذا القرآن العظيم: فقد قال الإمام الحسن: "إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبّرونها بالليل، ويتفقّدونها في النهار".
•قوّة إقبال القارئ على كتاب الله تعالى: وصدقه في طلب التدبّر، والرغبة فيه بنيّةٍ صادقةٍ، يجعل الله -سبحانه- يُفهمَّه ما يحب ويجعل في قلبه نوراً، وهذا يحتاج إلى إصرارٍ وصبرٍ.
خصائص القرآن الكريم
خصّ الله -سبحانه وتعالى- القرآن بخصائص كثيرة، ومن هذه الخصائص؛ أنّه كلام الله الخالص غير المخلوق ولا المفترى، وغير مشوبٍ بأوهام البشر
ولا بأهوائهم، فكلّه من عند الله، وليس لجبريل -عليه السلام- منه إلا النزول به، وليس لمحمد -صلّى الله عليه وسلم- إلا التبليغ والتلقّي، والقرآن كتابٌ معجزٌ بلفظه،
وأسلوبه، وموضوعه، وفي جميع جوانبه، ومُيَسّر للقراءة والفهم والعمل لكل أصحاب الفطر السليمة، وهو دستورٌ شاملٌ وصفه الله -تعالى- بأنّه تبيانٌ لكل شىء،
وكتابٌ خالدٌ قيَّض الله له رجالاً أُمناء حفظوه فى صدورهم وسطورهم، ودليل ذلك قوله تعالى: (إِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ).