نعم في هذه الآيات يذكر اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالى- أنه ألزم كل إنسان من بني آدم طائره؛ أي عمله الذي عمله من خيرٍ أو شرٍ، (أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) المُقدَّر له لابد أن يجري عليه في حياته من خيرٍ أو شر، ثم فهو يعمل بموجب المُقدَّرعليه، بإذن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالى- فهو يعمل بإختياره ليس مُجبرًا، أعطاه الله الأختيار، أعطاه اللهُ السَّمع والبصر والعقل، وبيَّن له الضَّار من النافع وهو إنسانٌ عاقلٌ مدرك، فهو يختار لنفسه، إمَّا أن يعمل صالحًا بأختياره وإمَّا أن يعمل عملًا سيئًا بإختياره وإرادته، هذا معنى (أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) يعني ما قُدَّر له من خيرٍ أو شر.
(وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، إذا بُعث يوم القيامة، القيامة من القبورإلى الحشر والنشور، ولقاء الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالى- والوقوف بين يديه للمحاسبة والجزاء.
(وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً)، الكتاب الذي أملاه في حياته من الحسنات والسيئات التي عملها في الدنيا كلها مسجلة بأيدي الحفظة والكتبة الذين يلازمونه في حياته، فيسجلون عليه كل ما يعمل من خيرٍ أو شر، في صحائف مع الحفظة، هذه الصحائف تُخرج له يوم القيامة.
(وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً)، مفتوحًا يقرأه ويراه ويُبصره.
ثم يُقال له: (اقْرَأْ كِتَابَكَ)، فيقرأه سواءً كان في الدنيا يقرأ ويكتب أو كان لا يقرأ ولا يكتب، كل إنسان يقرأ كتابه، إقرأ كتابك الذي أمليته في الدنيا، من خير أو شر.
(اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ)، في يوم القيامة؛ (كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً)، فأنت إنما تقابل عملًا عملته في الدنيا، وسُجل عليك وتلقاه يوم القيامة، (مَنشُوراً)، كلٌ يقرأ كتابه؛ الذي يقرأ في الدنيا ويُكتب والذي لا يقرأ ولا يكتب، كلهم يقرأون كتابهم.
(اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً)، أي مُحَاسِبًأ وأن الله –جَلَّ وَعَلَا- لم يظلمك، وإنما أنت الذي قدَّمت لنفسك هذا العمل بإختيارك وطوعك، وإرادتك وقدرتك.
(كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً)، فإذا كان فيه ما يسوؤك فلا تلومن إلا نفسك.